الشباب في صلب دينامية التغيير.. إدماج المؤسسة الدينية في الفضاء العمومي دون تخليها عن مرجعياتها الدينية

لعل أهمّ تحدٍّ يطرح لمغرب "العهد الجديد" هو التحوُّلات العميقة التي تعرفها شريحة الشباب، فالشباب يشكِّلون مؤهِّلاً ثمينا بالنسبة إلى البلاد وفرصتها نحو المستقبل. فمن البالغين دون سن الثلاثين من يمثلون 60% من الساكنة، في حين يمثل البالغون ما بين 15 و34 سنة 40%. وتبقى هذه الشريحة الواسعة من الشباب غير معروفة بما فيه الكفاية من الناحية السوسيولوجية والثَّقافيَّة. وتبرز الدراسات النادرة التي خصصت للشباب، على وجه الخصوص، عزوفه المقلق عن السياسة، في حين كان شغوفا بها خلال عقدي الستينيات والسبعينيات. وبالمثل، يلاحظ لدى الشباب نوع من الابتعاد عن المنظومة الأخلاقية للأجيال السابقة.
وعلى الرغم من كثرة النقائص التي تشوب المنظومة التربوية، فإن الشباب المغربي لا يزداد إلاَّ تعلُّمًا وتأهُّلاً، وبذلك فإن نسبة البطالة التي تطاله اليوم أصبحت مزعجة ولا تُطاق. وبغضِّ النظر عن البطالة، فإن المشكلات التي يعيشها الشباب هي من الكثرة والتعقيد بمكان، بحيث تتجاوز اختصاصات بعض القطاعات الوزارية (الشباب، التربية، الرياضة، الثَّقافة).
تجدر الإشارة إلى أن النقاشات الناشئة في المغرب حول علاقة المجتمع بالدين تكشف عن وجود ثلاث نزعات أساسية: أُولاها -وهي الأكثر غالبية- تَوَلِّي مؤسَّسة إمارة المؤمنين (المؤسَّسة الملكية) مكانة مركزية في الدولة المغربية، وثانيتها تتمثل في توجُّه يروم أسلمة جميع مناحي المجتمع، من خلال المطالبة بقراءة للدين خارج الزمن وبتعالٍ عن التاريخ. أما النزعة الثالثة فتنادي للمجتمع بالدنيوية وحدها الكفيلة، حسب دعاتها، بضمان حرية التأويلات المقرونة بالديموقراطية وحرية التعبير. ويتبين، من خلال معاينة الممارسات الدينية للمغاربة، وكذا تلك المتعلقة بالمؤسَّسات (الدولة والإدارة)، أن البلاد تسير نحو إدماج المؤسَّسة الدينية في الفضاء العمومي، وذلك بالطبع دون تخلِّيها عن مرجعياتها الدينية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال