الصراع الفكري بين الحضارة الإسلامية والحضارة الأوروبية.. التعصُّب الديني والطائفي والعرقي وحركات إصلاح ديني وفكري واجتماعي واقتصادي كثيرة توجت بالثورة الفرنسية والإنجليزية

لم تأب الحضارة الإسلامية أن تختفي وتضمحل قبل أن تفسح المجال للأوربيين بأن ينهلوا منها، إذ كانت الأندلس وصقليَّة وجنوب إيطاليا ثم الممالك في بلاد الشام الجسور التي عبرت منها الحضارة الإسلامية وشعت إلى الغرب الأوربي، حيث تدفقت الإنجازات الحضارية بكل أشكالها من علم وفلسفة وأدب لاهوت عبر مناطق التماس إلى الشعوب الأوروبية سواء بالبعثات الدراسية أم بالترجمات المكثفة أم الدبلوماسية أم بالتجارة أم بالحروب.

ووجد في الغرب الأوروبي من يتبنَّى التنوير، ويعده فرصة للخلاص من نيران الحُكَّام والأمراء ورجال الدين النصراني وتسلطهم، وخاصةً في المدن التجارية الإيطالية التي احتفظت بعلاقات جيدة مع الشرق الإسلامي.

استبدلت بخارى والري وبغداد ودمشق والقاهرة والقيروان ومراكش وفأس وقرطبة كمراكز إشعاع فكري وحضاري في العالم المعروف آنذاك ببادوا وسانرنو، وبولونيا وفلورنسا، وبالرمو ثم لاحقاً لشبونة، ومدريد، وروما، ومونبلييه، وباريس، وبرلين  ولندن.

وكانت نقطة البداية هي كسر القاعدة التي وضعها رجال الدِّين، والقائلة بعدم دراسة فكر الشعوب الأخرى غير النصرانية بحسبانه (زندقة وكفراً ومروقاً مِن الدِّين).

استمر الصراع حاداً بين الفكر الظلامي والفكر التنويري في أوروبا لمدة تزيد على ثلاثمائة عام، إذ لم يسلم الحلف المكون من الملوك والأمراء ورجال الدين مواقعه بسهولة.

وعرفت القارة الأوروبية موجات عارمة من التعصُّب الديني والطائفي والعرقي، وعانت من حروب داخلية مدمِّرة لكنَّها عرفت في الوقت نفسه حركات إصلاح ديني وفكري واجتماعي واقتصادي كثيرة توجت بالثورة الفرنسية والإنجليزية.

ثم تلا ذلك الوحدتان الألمانية والإيطالية، وعرفت على الصعيد العلمي تتابع الاختراعات والاكتشافات حتى يومنا هذا.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال