علاقة العرف بالتشريع عند التوافق والتعارض.. ترجيح القاعدة التشريعية التكميلية أو المفسرة على العرف الذي يخالفها

تقوم صلة العرف بالتشريع على حالتين:

1- توافق العرف مع التشريع:
يبدو هذا التوافق بين العرف والتشريع في حالتين وهما:
الحالة التي يستمد فيها التشريع قواعده من العرف والحالة التي يكمل العرف فيها أحكام التشريع.

الحالة الأولى:
إن الكثير من القواعد التشريعية مستمدة في الواقع من العرف، فالمشرع حين يعمد إلى سن تشريعاته يحرص في أغلب الأحيان على أن يتبنى الأعراف السائدة التي أثبت التطبيق صلاحها فتنقلب القواعد التي تتضمنها هذه الأعراف من عرفية إلى تشريعية ويستمر الناس على إتباعها لأنهم ألفوها من جهة ولأن التشريع قد تبناها من جهة ثانية ويكون التوافق بذلك تاماً بين العرف والتشريع.

الحالة الثانية:
إن التشريع لا يستطيع أن يتضمن جميع الأحكام التي يحتاج إليها الناس في أمورهم ومعاملاتهم, بل إن الكثير من المسائل التفصيلية قد يترك أمر تنظيمها للعرف الذي يكمل التشريع في هذه الحالة ويسد النقص فيه.

والتشريع نفسه يعترف للعرف بهذه السلطة ويعتبر أن القواعد العرفية تقوم مقام القواعد التشريعية حين فقدانها.

والتشريع حين يحيل إلى العرف كأنما هو يتبنى قواعده ويقرها وبذلك نجد أن التوافق تام بينهما في هذه الحالة لأن تطبيق العرف هنا ما هو في الواقع إلا عبارة عن تطبيق للتشريع نفسه الذي يحيل عليه.

2- تعارض العرف مع التشريع:
قد ينشأ عرف مخالف لقاعدة من القواعد التي نص عليها التشريع فما الذي يجب الأخذ به في هذه الحالة: القاعدة التشريعية أم العرف؟

في الحالة التي يقضي فيها التشريع نفسه بترجيح العرف المخالف لحكم القاعدة التي يتبناها على هذا الحكم.
فلا شك أن العرف هو الذي يتبع استناداً إلى نص التشريع نفسه.

مثال:
ورد في المادة (432) من القانون المدني: "نفقات تسلم المبيع على المشتري ما لم يوجد عرف أو اتفاق يقضي بغير ذلك".

فالقاعدة تقضي بتحمل المشتري نفقات تسلم المبيع ولكن لو وجد عرف سائد يقضي بتحمل البائع والمشتري نفقات تسلم المبيع فيتبع حكم العرف وبهمل حكم القاعدة الأصلية.

أما لو كان العرف يخالف قاعدة تشريعية دون أن ينص التشريع نفسه على ترجيحه, فهنا يجدر التفريق بين حالتين:

الحالة الأولى:
أن تكون القاعدة التشريعية التي يخالفها العرف من القواعد الآمرة التي تتعلق بالنظام العام. وفي هذه الحالة يكون الإجماع منعقداً بين الفقهاء على ضرورة تطبيق القاعدة وإهمال العرف لأن القواعد التي تتعلق بالنظام العام تؤثر على المجتمع تأثيراً مباشراً ولا يجوز الحد منها عن طريق الأعراف أو غيرها.

الحالة الثانية:
أن تكون القاعدة التشريعية التي يخالفها العرف من القواعد التكميلية أو المفسرة وجب عندئذ القاعدة الأخذ، من حيث المبدأ، بالعرف وإهمال القاعدة التشريعية، وفي هذه الحالة يجب التفريق فيما إذا كانت مخالفة العرف للقاعدة التشريعية واقعة في الأمور التجارية أو الأمور المدنية.

ففي الأمور التجارية:
إذا خالف العرف القاعدة التشريعية التكميلية أو المفسرة استناداً إلى نص المادة الرابعة من قانون التجارة السوري التي تنص: "على القاضي عند تحديد آثار العمل التجاري أن يطبق العرف المتوطد إلا إذا ظهر أن المتعاقدين قصدوا مخالفة أحكام العرف أو كان العرف متعارضاً مع النصوص التشريعية الإلزامية".

ونستنتج بمفهوم المخالفة من ذلك إذا لم يكن العرف متعارضاً مع النصوص التشريعية الإلزامية, وإنما كان متعارضاً مع النصوص التشريعية التكميلية أو المفسرة, فإن من الواجب تطبيقه.

أما في الأمور المدنية: فهناك رأيان:
الرأي الأول:
وفيه يرجح العرف المخالف للقاعدة التشريعية التكميلية أو المفسرة على هذه القاعدة.
وذلك لأن القاعدة المفسرة إنما تطبق لأنه يفترض أن المتعاقدين قد أراداها ولكن ما دام قد وجد العرف المخالف فمن الأصح أن نعتبر أن إرادتهما قد انصرفت إليه وعندئذ يطبق العرف لأنه أصدق تعبيراً عن إرادة المتعاقدين.

الرأي الثاني:
وفيه ترجح القاعدة التشريعية التكميلية أو المفسرة على العرف الذي يخالفها وحجة أصحاب هذا الرأي أن نص التشريع مقدم على العرف, لأن العرف لا يجوز تطبيقه إلا في حالة عدم وجود نص تشريعي.
أما إذا وجد نص تشريعي وعرف مخالف فإن النص التشريعي هو الذي يطبق أولاً.

ويضيف أصحاب هذا الرأي حجة أخرى وهي أنه إذا جاز لنا أن نهمل القاعدة التشريعية ونطبق العرف المخالف لها فإن هذا يعتبر إلغاء للقاعدة التشريعية بالعرف المخالف وهو يناقض نص المادة الثانية من القانون المدني: "لا يجوز إلغاء نص تشريعي إلا بتشريع لاحق".

مثال:
نصت المادة (535) من القانون المدني أن على المؤجر: "أن يجري الأعمال اللازمة للأسطح من تجصيص أو بياض وأن يقوم بنزح الآبار والمراحيض ومصارف المياه".

وهذه القاعدة ليست من النظام العام بل هي تكميلية أو مفسرة.
ولنفرض وجود عرف يقضي بأن تقع نفقات تجصيص وبياض الأسطح على عاتق المستأجر لا المؤجر.
بحسب الرأي الأول: يطبق العرف إذ يفترض أن المتعاقدين قد أرادا تبنيه عندما تعاقدا.

وبحسب الرأي الثاني: يجب تطبيق القاعدة التشريعية لا العرف إذ لا مجال لتطبيق العرف مع وجود نص تشريعي حول الموضوع, لأن ذلك يعتبر نوع من إلغاء التشريع بالعرف المخالف.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال