التوسع الزراعي المطري الآلي.. استجابة للطلب المتزايد بسبب الزيادات السكانية والحاجة للغذاء أو سعياً لزيادة الإنتاج لمقابلة متطلبات التصدير والعملات الحرة

انتشرت الزراعة المطرية الآلية في السهول الطينية الوسطى في أراضي غابات بكر من الطلح والهشاب وغيرها تحت ظروف الأمطار التي لا تقل عن 450 ملمتراً وهو المقدار الأدنى الذي يفي لأغراض إنتاج المحاصيل. وكانت لطبيعية الأراضي المنبسطة وخصوبة التربة أن جعلتها مثالية باستخدام الآلة في الحرث وتحضير الأرض في الزراعة والحصاد. بدأت الزراعة المطرية الآلية في القدمبلية عام 1940 لتمارس تحت نظام دورة زراعية وفترة بور ومن ثم انتشرت في السهول الطينية في منطقة القضارف والنيل الأزرق والنيل الأبيض وجنوب كردفان وأعالي النيل. لم تلتزم الزراعة المطرية الآلية بالدورة الزراعية بل كانت الزراعة تتواصل في نفس الأرض حتى تجهد التربة ويتدنى الإنتاج ‪-‬ سيد أحمد (1999) وتبدأ الزراعة في التوسع إلي أراضي جديدة من الغابات البكر. في هذا المضمار يفيدنا بلال (1991) بان إنتاجية الفدان في القضارف تدنت من 504 كيلوجراماً عام 1960 إلي 300 كيلوجراماً عام 1975. في خلال الفترة 1970 ‪-‬ 1975 تدنت إنتاجية الفدان من 476 إلي 219 كيلوجراماً في هبيلا ومن 525 إلي 136 في الدمازين.
تفيد بيانات مؤسسة الزراعة الآلية (1992) بأن جملة المساحة المزروعة آلياً قد بلغت 7ر1 مليون فداناً عام 1968 ارتفعت إلي 8ر1 مليون فداناً عام 1969. في مستهل السبعينيات رفع نظام مايو شعار "السودان سلة غذاء العالم" فارتفعت المساحة المزروعة إلي 3 مليون فداناً وظلت علي ذلك المستوى حتى نهاية السبعينات ومن ثم تضاعفت إلي 6 مليون عام 1981 ثم إلى 10 مليون فدان عام 1985.
كان ذلك هو تطور الزراعة المطرية الآلية والتي توصف بأنها "داخل التخطيط" أي حسب تخطيط وإشراف الدولة وذلك للتفريق بينها وبين زراعة مطرية وآلية أيضاً نمت وتطورت عشوائياً بمجهود الأفراد القادرين علي التمويل وسميت "الزراعة خارج التخطيط". لم تلتزم هذه الزراعة بالمواصفات التي وضعتها الدولة من ناحية كفاية الأمطار أي 450 ملمتر وأكثر والأرض المنبسطة والتربة المعروفة الخواص الصالحة للزراعة وأخذت في الانتشار في أراضي هامشية دون المقدار المناسب من الأمطار وغير منبسطة مما يعرضها للتعرية مع استخدام الآلة كما أنها أراضي مرعى تقليدية لقطعان البدو. وكانت هذه الزراعة ذات مستوى متواضع إذ بلغت 714000 فداناً عام 1971 ورفعت شعار "سلة غذاء العالم" فارتفعت إلي 1ر1 مليون فدان عام 1973 ثم سارت موازية للزراعة داخل التخطيط وتساوت معها إلي 5ر3 مليون فداناً عام 1975 مما جعلها تنال الاعتراف من الدولة.
قد يتبادر إلي الذهن بأن التوسع في الزراعة المطرية الآلية إنما يجيء استجابة للطلب المتزايد بسبب الزيادات السكانية وحوجتها للغذاء أو سعياً لزيادة الإنتاج لمقابلة متطلبات التصدير والعملات الحرة إلا أن الزيادة في المساحات المزروعة لم تنعكس إيجاباً في زيادة في الإنتاج بل بالعكس فقد واكبها تدني في الإنتاج . يفيدنا سيد أحمد (1999) بان المساحة المزروعة آلياً قد زادت إلي 3ر11 مليون فداناً كمتوسط للسنوات 89-1993 ثم إلي 4ر14 مليون فداناً عام 1998. في هذه الفترة تدنى إجمالي الإنتاج من 1ر2 مليون طناً إلي 9ر1 مليون طناً رغماً عن زيادة المساحة بمقدار 4ر27%. ويعلل سيد أحمد (1999) تدني الإنتاج لمشاكل التمويل وعدم الالتزام بالدورة الزراعية وقد سبق له في نفس المصدر وصف الزراعة في السودان بأنها ضعيفة الإنتاجية مما يضعها في أدنى قائمة الدول الأقل نمواً بسبب القصور في الخدمات الزراعية مثل البحوث والإرشاد وضعف استخدام المدخلات الزراعية من أسمدة ومبيدات وخلافة ويفيدنا أيضاً بان الزراعة خارج التخطيط والتي أسماها القطاع التقليدي تابعت سنة التوسع بأكثر من رصيفاتها إذ بلغت عام 1998 جملة 6ر22 مليون فداناً لإنتاج 7ر1 مليون طناً فقط. هذا مقارنة مع إنتاج 4ر14 مليون فداناً من الزراعة المخططة الذي بلغ 1ر2 مليون طناً في نفس العام. لهذا كانت الزراعة المطرية الآلية في سعيها للمحافظة علي نفس القدر من الإنتاج دائمة التوسع أفقياً في الغابات البكر بعد هجرة الأراضي المتدهورة وبلغت في جملتها والقرن العشرين في أواخره 36 مليوناً من الأفدنة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال