معركة القسطل.. فتح طريق القدس- تل أبيب وفك الحصار عن يهود القدس. انتصار ضاع بسبب ضعف التسليح والافتقار للتنظيم وقلة الذخيرة وسوء الخدمات الطبية الميدانية ووسائل الاتصال

معركة القسطل:
ربما تكون معركة القسطل (وبغض النظر عن نتائجها) من أهم المعارك التي جرت على أرض فلسطين في عام 1948؛ لذا، سنتحدث عنها بقليل من التفصيل.

القسطل قرية على بعد 10كم إلى الغرب من مدينة القدس، تمتعت بموقع استراتيجي لتحكمها بطريق القدس/ يافا، وترتفع عن الطريق حوالي 200م. وكانت تعد البوابة الغربية للقدس.

استعد الصهاينة للقيام بعمليات واسعة لاحتلال أكبر مساحة من الأرض التي تنسحب منها القوات البريطانية، ومن ضمن خططهم كانت خطة "خشون" التي تهدف إلى فتح طريق القدس- تل أبيب، وفك الحصار عن يهود القدس؛ وقد جهزوا لهذه العملية 5000 رجل مزودين بأحدث الأسلحة.
وشمل هذا العدد قوات من “الهاغاناة” و”البالماخ” و”الأرغون” و”شتيرن”.
وشملت الأسلحة: دبابات خفيفة، ومصفحات، وبنادق آلية من تشيكوسلوفاكيا وسلطات الانتداب البريطاني.

وقد تقرر أن تبدأ الخطة في 6/4/1948.
توجه عبد القادر الحسيني (قائد جيش الجهاد المقدس) إلى دمشق، أواخر آذار 1948 للاتصال باللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية؛ للحصول على أسلحة ومعدات للتصدي للهجوم الذي كان على علم به؛ وتولى القيادة مكانه كامل عريقات.

وصلت إلى قيادة جيش الجهاد المقدس أنباء بقرار الصهاينة تقديم موعد الهجوم إلى 2/4 بدلاً من 6/4؛ فعقد كامل عريقات مجموعة من الاجتماعات وضعت فيها خطة لمجابهة الهجوم الصهيوني، وذلك بمشاركة الشيخ حسن سلامة.

حشدت قيادة جيش الجهاد قواتها على مراكز باب الواد وبيت محسير والقسطل وساريس، ولم تغفل عن طريق بيت لحم، الذي قد يفكر الصهاينة فيه للوصول إلى القدس.
وحشد الشيخ حسن سلامة القوات في دير محيسن قضاء الرملة.

بدأ الصهاينة تنفيذ خطتهم ظهر يوم 2/4/1948؛ فاتجه قسم من قواتهم إلى دير المحيسن، والقسم الآخر إلى باب الواد لاقتحامه والاستيلاء على القسطل؛ فتمكن الشيخ سلامة مع قواته، بعد معركة عنيفة، من صد الهجوم على دير المحيسن، وتأهب للسير إلى باب الواد لنجدة المقاتلين هناك؛ لكن نجدات صهيونية وصلت إلى دير المحيسن فمنعت ذهابه.

اضطر الشيخ حسن سلامة لخوض معركة أخرى استمرت حتى منتصف الليل، وانتهت بانتصار المجاهدين مرة أخرى.
أما القسم الثاني من القوات الصهيونية؛ فقد اشتبك معه المجاهدون في معركة عنيفة دامت ساعتين ونصف، تمكن بعدها الصهاينة من اقتحام باب الواد؛ نتيجة تفوقهم الساحق في العدد والعدة.

وتقدم الصهاينة في المساء إلى مشارف قرية القسطل، وهاجموها عند منتصف الليل؛ فدافع عنها أبناؤها حتى نفدت ذخيرتهم؛ فتمكن الصهاينة من احتلالها، وبدأوا بتحصينها على الفور.

وقد كانت القسطل أول قرية عربية يحتلها الصهاينة عام 1948؛ وسقطت بعدها دير المحيسن وخلدة؛ فاهتز الشعب الفلسطيني للحادثة، وانطلق المئات من الشبان يطلبون من قيادات جيش الجهاد المقدس إرسالهم إلى جبهة القسطل؛ فقامت قيادة جيش الجهاد بالإعداد لهجوم مضاد سريع؛ فحشدت القوات من مختلف القطاعات في القدس، وتقدمت هذه القوات، بقيادة كامل عريقات، عبر بيت صفافا إلى عين كارم، فانضم شبابها بقيادة خليل منون إلى القوات.

وتابع الجميع التقدم باتجاه القسطل ليلاً، ووصلوا إلى بعد 2كم عنها.
صباح 4/4، تقدم المجاهدون فاحتلوا كاجر الياشار، ثم تقدموا تحت وابل النيران الصهيونية؛ لكن ضغط الهجوم من قبل المجاهدين وتواصله أجبر الصهاينة على إخلاء عدد من المراكز الأمامية، وتراجعوا نحو القرية.

حاصر المجاهدون القرية، واستمر تبادل النار طوال الليل؛ فيما استمرت النجدات في الوصول طيلة يوم 5/4، حيث شن المجاهدون هجوماً عاماً على القرية، وتمكنوا من حشر الصهاينة في مركز القرية بعد مقاومة عنيدة؛ فأصبحوا على بعد 200م من مركز القرية، وواصلوا حصارهم للقرية بمعنويات مرتفعة.

وفي صباح 6/4 أصيب كامل عريقات بشظية فاضطربت صفوف المجاهدين، خصوصاً وأن ذخيرتهم بدأت بالنفاد.

قام إبراهيم أبو دية بنقل كامل عريقات على ظهره إلى قرية صوبا، ثم عاد ليجمع شمل المجاهدين، منهياً حالة الفوضى، وقادهم على هجوم جديد، يعاونه عبد الحليم الجيلاني.

مال الموقف لصالح الصهاينة بعد وصول نجدات إليهم؛ لكن إبراهيم أبو دية استطاع مع عدد من الرجال اختراق القرية ونسف بعض البيوت والعودة بسلام.

صباح 7/4 وصل عبد القادر الحسيني من دمشق، وتوجه إلى القسطل ظهر نفس اليوم، وأمسك بزمام الموقف وأعاد تنظيم المجاهدين.

وزع الحسيني القوات على أربعة محاور بقيادته ونيابة كل من حافظ بركات وهارون بن جازي وعبد الله العمري وعلي الموسوس؛ كل شخص على جهة؛ وبقيادته العامة.

ورابطت مجموعات مقابلة للإسناد بقيادة صبحي أبو جبارة وعبد الفتاح المزرعاوي.
بدأ الهجوم على القسطل منتصف ليلة 7/4؛ وتمكنت قوات القلب والميسرة من اكتساح مواقع العدو واستحكاماته الأمامية، واتصلت قوات الفريقين، وكادت تدخل القرية؛ ولكن تقدم القوات من الناحية الشرفية كان صعباً؛ إذ نفدت ذخيرة كثير من المجاهدين، وأصيب إبراهيم أبو دية و16 من رجاله؛ ما جعل المجاهدين يتراجعون أمام كثافة نيران العدو وقلة ذخيرتهم.

اندفع الحسيني لينقذ الموقف، واقتحم القرية تحت وابل من نيران الصهاينة؛ واستمر القتال طوال الليل.

وفي صباح 8/4 أعلنت القيادة أن عبد القادر الحسيني ورفاقه مطوقون في القرية؛ فأسرعت النجدات من جميع المدن والقرى المجاورة إلى القسطل، وبينهم مجموعة من حراس الحرم وشباب القدس وجيش الإنقاذ؛ وأخرى من الخليل وغيرها.

بدأ الاقتحام مجدداً للقرية بقيادة رشيد عريقات، صباح 8/4.
وبعد ثلاث ساعات تمكن من دخول القرية وتحريرها، وفر الصهاينة باتجاه القدس، وغادروا القسطل.

وبعد قليل وجد المجاهدون عبد القادر الحسيني شهيداً في أحد بيوت القسطل؛ ما دب الارتباك في صفوفهم؛ ففقد القادة سيطرتهم على الأفراد، وأخذت النجدات تغادر القسطل، وبقي فقط رشيد عريقات وعبد الحليم الجيلاني وقواتهما.

ولم يستجب أحد لطلبهما بإسال التعزيزات؛ لانشغال الناس باستشهاد الحسيني.
غادر عريقات والجيلاني القرية ليلة 9/4؛ فعاد الصهاينة واحتلوها في 9/4/1948.

ورغم كون معركة القسطل مثالاً على البطولة؛ إلا أنها مثال على انتصار ضاع بسبب ضعف التسليح والافتقار للتنظيم وقلة الذخيرة وسوء الخدمات الطبية الميدانية ووسائل الاتصال.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال