الاستغلال الرشيد لموارد الغابات لاستدامة الإنتاج.. استغلال الغابات في حدود القطع المسموح به أو القطع المقرر لديمومة الموارد لرفاهية الجيل والأجيال القادمة

إن مبدأ الإنتاج المستدام ‪Sustained Production‬ هو القاعدة التي يرتكز عليها استغلال الغابات. ويجدر بنا أن نعرف الإنتاج المستدام وأهميته التي جعلته دائماً القاعدة التي يرتكز عليها استغلال الغابات وما هي الوسائل التطبيقية لتحقيق الإنتاج المستدام علي أرض الواقع.
إن مبدأ الإنتاج المستدام هو القاعدة التي يرتكز عليها الاستغلال الرشيد لأي مورد طبيعي متجدد وليس الغابات فحسب ليستمر إلي الأبد مقدماً عطائه من أجل حياة ورفاهية الإنسان ما بقي الإنسان. والموارد الطبيعية المتجددة هي الماء والأشجار (الغابات) والحيوانات البرية والكلأ (المرعى) والتربة والهواء.
وقد سميت متجددة لأنها تجدد نفسها فالماء يجري دوماً في الأنهار والوديان وباطن الأرض يأتيه المدد من الأمطار لتعويض الفقد بالاستغلال والتبخر وما سال إلي البحار، والأشجار تجدد نفسها بالنبت الجديد بالبذور والبتق والخلف الجذرية وكذلك الحيوانات البرية والكلأ والهواء الذي يتجدد من خلال العمليات الحياتية في النبات.
إن الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية المتجددة هو الضمان الوحيد لاستمرار الحياة الإنسانية علي ظهر الأرض لأن هذه الموارد كمصادر للرزق محددة ومقدرة من عند الله سبحانه وتعالى فقد جاء في محكم التنـزيل: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننـزله إلا بقدر معلوم) الآية 21 من سورة الحجر.
لهذا يأمرنا سبحانه وتعالى بالقسط وعدم الإسراف في استغلال ما حبانا به من رزق ونعم إذ قال: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أُكله والزيتون والرمَّان متشابهاً وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) الآية 141 سورة الأنعام.
إن عدم الإسراف أو الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية يعني استغلالها بقدر لا يزيد عن مقدرتها علي التجديد.
لنعطي مثالاً بسيطاً للإنتاج المستدام الذي يحقق الاستغلال الرشيد لمورد طبيعي يتجدد مثل الكلأ. فإذا كان لدينا خروف واحد وذلك الخروف يحتاج في تغذيته إلي مساحة مقدارها سبعة أمتار مربعة يومياً من الكلأ وهذا الكلأ يحتاج إلي مدة 120 يوماً لكي يكتمل نموه وينتج بذرة ناضجة تنبت من جديد فإننا نحتاج إلي 840 متراً مربعاً لتغذية ذلك الخروف لمدة 120 يوماً بعدها يمكن للكلأ أن يجدد نفسه.
وعلي هذا المنوال نحتاج إلي 4200 متراً مربعاً من الكلأ لتغذية خمسة خراف. نقول إن حمولة هذا المرعى خمسة خرفان للفدان تعبيراً عن الإنتاج المستدام الذي يكفي لتغذية الخرفان الخمسة بصفة مستديمة.
يقتضي الاستغلال الرشيد لكل منطقة المرعى أن لا تزيد كثافة الحيوانات عن خمسة خراف للفدان فإذا زادت عن ذلك يصبح الرعي جائراً فوق طاقة المورد علي التجديد ويتدهور تدريجياً إلي الزوال.
مثال آخر نورده عن سحب المياه الجوفية التي تستخدم في الري وللشرب. يتغذى الخزان الجوفي بقدر معلوم من مياه الأمطار والوديان والأنهار. ولكي يواصل الخزان العطاء دون أن ينضب نسحب منه مقداراً من المياه لا يزيد عن إيراده من التغذية.
يسمى هذا المقدار السحب المسموح به الذي يتيح للخزان عطاءاً مستداماً من المياه إلي الأبد وهو تعبير يشبه مصطلح حمولة المرعى.
بهذا فإن الإنتاج المستدام يعني جني أقصى الفوائد المادية وغير المادية من المورد ورغم ذلك يظل ذلك المورد سليماً كأن لم يؤخذ منه شيئاً. تبدو معادلة صعبة إلا أن تحقيقها ممكن كما رأينا في مثال الكلأ والخرفان وسحب المياه من الخزان الجوفي وكما سوف نرى في أسلوب الاستغلال الرشيد لموارد الغابات.
في الاستغلال الرشيد للغابات الطبيعية يعبر عن الإنتاج المستدام بأنه القطع المسموح به ‪Allowable cut‬ الذي يساوي مقدار الزيادة السنوية ‪Annual Increment‬ في حجم الأشجار ويعبر عن هذه الزيادة السنوية بالنسبة المئوية أو كذا متراً مكعباً للفدان. فإن كانت الزيادة السنوية ثلاثة أمتار مكعبة للفدان فإننا لا نقطع منها سوى ثلاثة أمتار مكعبة من الفدان كل سنة.
لعله من الصعوبة ممارسة ذلك في منطقة شاسعة من الغابات الطبيعية التي تعتمد علي التجديد الطبيعي للأشجار في الفجوات المتخلفة عن القطع. يمكن حساب القطع المسموح به وضمناً مقدار الزيادة السنوية حسب المعادلة أدناه:
                                          ح
القطع المسموح به  =   نصف الدورة الحياتية للأشجار بالسنوات
‪Allowable cut = Standing volume of trees (m3)‬
‪                        ½ Rotation (years)‬
‪Jackson (1960)‬
 حيث ح هو حجم الأشجار الحية الواقفة بالمتر المكعب في منطقة القطع. ومنطقة القطع عادة ذات شكل دائري قطرها حوالي 30 كيلومتراً يتوسطها منشار. من الناحية العملية يتحقق القطع الذي يساوي الزيادة السنوية بتركيز القطع فقط علي الأشجار التي يزيد قطر ساقها عن 35 سنتمتر والمحافظة علي بقية الأشجار التي تقل عن ذلك الحجم وحمايتها من الحرائق والرعي لمواصلة النمو ونثر البذور في المنطقة.
أما في غابات السنط المحجوزة علي النيل الأزرق وروافده الدندر والرهد وما يرد إليهما من وديان مثل العطشان والعقليين فإن استغلال الغابات وتجديدها يتم وفق خطة للإدارة الفنية تسمى خطة العمل والتي تجدد كل عشر سنوات.
في هذه الغابات زرعت أشجار السنط التي تحتاج إلي 35 عاماً (دورتها الاقتصادية) لتصل إلي الحجم المناسب لإنتاج مراقد (فلنكات) السكة الحديد وأخشاب الجسور (الكباري).
إن الإدارة الفنية لهذه الغابات ليست بالبساطة التي تبدو من الكلمات المكتوبة إذ تعتمد علي نظريات علمية وتقنيات لا تخلو من التعقيد. تبدأ الإدارة الفنية لأي منطقة غابات بعمل حصر أو إحصاء شامل لكل الأشجار إن كانت المساحة صغيرة أو اللجوء إلي الأساليب الإحصائية بالعينات العشوائية التي تعطي قدراً عالياً من الدقة.
تتجمع من الإحصاء بيانات عن عدد الأشجار وحجم الأخشاب ومقدار الزيادة السنوية إضافة إلي العوامل الطبيعية والحياتية المحيطة بالغابات والمؤثرة عليها. علي ضوء ذلك توضع خطة العمل التي تحدد المساحات التي تقطع كل سنة ويعاد تعميرها بالأشجار بالوسائل الطبيعية أو الاصطناعية بالبذر أو الغرس والعمليات الفلاحية من تفريد وتقليم وشلخ التي تفي بتربية الأشجار بالكثافة المثالية إلي مرحلة النضوج.

يطبق مبدأ الإنتاج المستدام في هذه الغابات باتباع طريقة القطع المقرر ‪Prescribed cut‬ الذي يأخذ في الاعتبار المدة الزمنية اللازمة لوصول الأشجار لمرحلة النضوج أو الدورة والزيادة السنوية وحجم الأخشاب. إن أبسط أسلوب لتحديد القطع المقرر يستعمل المعادلة أدناه: ‪ ‬‪Brasnett (1953)‬
حيث ق القطع المقرر في السنة، ح حجم الأخشاب في الأشجار الحية، د الدورة بالسنوات، ز الزيادة السنوية في الحجم مُعبّراً عنها بالنسبة المئوية. تقسم كل المساحة إلي مرابيع (تسمى مرابيع القطع والتجديد) بعدد سنوات الدورة أي خمسة وثلاثين مربوعاً بحيث تتساوى كل المرابيع في الإنتاجية وليس بالضرورة في المساحة.
يحدد برنامج العمل سنة بسنة المربوع المتوقع وصوله لمرحلة النضوج جاهزاً للقطع والتعليمات اللازمة لإعادة تعمير الأشجار وبرنامج العمليات الفلاحية لكل مربوع علي حده. هذا إضافة لتعليمات تكفل الإدارة السليمة للمورد وما يحتاجه من مدخلات بشرية ومادية وتوزيع وتسويق الإنتاج وخلاف ذلك الكثير مما لا يتسع له المجال.
أن الالتزام باستغلال الغابات في حدود القطع المسموح به أو القطع المقرر يعني ديمومة الموارد لرفاهية الجيل والأجيال القادمة. أما التجاوز عن ذلك المقدار فهو قطع جائر وإفساد نهانا الله سبحانه وتعالى عنه في محكم التنـزيل:
(ولا تفسدوا الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفاً وطمعاً إن رحمة الله قريب من المحسنين) صدق الله العظيم  الآية 56 سورة الأعراف.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال