ثورة 1935 في فلسطين.. ثورة الشيخ عز الدين القسام الذي شكل جماعات سرية مدربة مثلت منعطفا في تاريخ الحركة الوطنية ومهدت للحركة الثورية

مع ازدياد الوعي السياسي في بداية الثلاثينات، بدأت الدعوة إلى اتباع نوع آخر من النضال يختلف عن التمرد السلبي؛ إذ أخذت الدعوات تزداد إلى الكفاح المسلح.

وقد شكل الشيخ عز الدين القسام جماعات سرية مدربة؛ وبذا يكون القسام هو رائد الكفاح المسلح في الحركة الوطنية الفلسطينية.
وأحيط تشكيل هذه المنظمة السرية بإطار كثيف من الكتمان؛ ولذا فإنه من الصعب تقديم المعلومات وفيرة عن هذه المنظمة.

ولد عز الدين القسام في قرية جبلة السورية؛ بجوار اللاذقية عام 1871م، تلقى العلم على يد الإمام محمد عبده في الأزهر، ثم عاد إلى سوريا مدرساً.

حكم عليه الديوان العرفي في اللاذقية بالإعدام؛ لاشتراكه في مقاومة الفرنسيين؛ فاضطر إلى اللجوء إلى حيفا عام 1922 في شهر شباط، وتولى التدريس في جامع النصر بالمدينة؛ كما عمل مدرساً في المدرسة الإسلامية بحيفا، وعينة المجلس الإسلامي الأعلى خطيباً لجامع الاستقلال ومأذوناً شرعياً؛ ما وفر له صيغة للاتصال بالجماهير.

أصبح رئيساً لـ"جمعية الشبان المسلمين"، وأنشأ بعد عدة سنوات عصبة سرية لها شرطان: أن يقتني العضو السلاح على حسابه الخاص، وأن يتبرع للعصبة بما يستطيع.

وبمرور الزمن أخذت نواة الحركة الثورية تتوسع؛ فشكل القسام من أفراد المنظمة حلقات صغيرة، كل منها رقيب وخمسة أفراد؛ ولم تكن أي حلقة تعرف شيئاً عن الحلقات الأخرى؛ وشكل أيضاً مجموعات أخرى للتدريب ولجباية الأموال والاتصال السياسي والشعبي وشراء السلاح؛ وأخرى للتجسس.
واستطاع القسام أن يوجد تشكيلات سرية مسلحة في مناطق خارج حيفا أيضاً.

تحت ضغط مجموعة من العوامل من ضمنها تدفق الهجرة اليهودية وتسلح الصهاينة من قبل بريطانيا واستفحال خطر تسرب الأراضي؛ بدأ القسام عمله العسكري، الذي تمثل بادئ الأمر في الضربات الخاطفة؛ ومن ثم تطور إلى العمل العسكري ضد المستعمرات الصهيونية والدوريات البريطانية؛ ما أشاع الذعر في الأوساط الصهيونية والإنجليزية؛ لعدم معرفتهم أصحاب هذه الأعمال.

وما لبث القسام وجماعته أن قرروا القيام بالثورة علناً؛ لرفع معنويات الجماهير، وإبراز أهداف الثورة، وإحباط الدعاية المضادة؛ فعقد اجتماع في بيت محمود سالم المخزومي في 12/11/1935؛ وعلى إثره توجه الثوار إلى الجبال وأحراج يعبد، وتسلل عدد كبير منهم إلى حيفا لمساندة الهجوم من هناك.

علم الإنجليز بوجود القساميين في أحراج يعبد؛ فأرسلوا قوات كبيرة، وحاصروا الأحراج، وحدثت عدة صدامات بين طلائع الرصد القسامية، وطلائع القوات البريطانية، قتل خلالها جندي بريطاني وبعض رجال الشرطة؛ فأمر المسؤولون البريطانيون بمهاجمة الأحراج.

استمرت المناوشات حوالي خمسة أيام، ثم اكتشف الإنجليز أن القسام نفسه موجود في المنطقة؛ وكانوا قبل ذلك يظنون أنه في حيفا؛ فشنوا هجوماً مركزاً صده القساميون.

وفي يوم 20/11/1935، وقعت المعركة الكبرى، واستمرت 4 ساعات، قتل فيها عدد كبير من رجال القوات البريطانية؛ واستشهد ثلاثة من قادة القسام، وجرح عدد آخر.

استؤنف القتال بعد ظهر ذلك اليوم؛ فاستشهد الشيخ عز الدين القسام، واستطاع من تبقى اختراق الحصار، ووصلوا إلى الشمال الفلسطيني، وهم يحملون جثة قائدهم الشهيد إلى حيفا.  وقد وقع عدد قليل من المجاهدين أسرى في يد الإنجليز؛ فنقلوهم على سجن نابلس.

نعي الشيخ وأصحابه من مآذن المساجد، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وصلى الناس عليهم في كل مكان صلاة الغائب، وسار كوكب الجنازة مجللاً بالأعلام السورية والمصرية والعراقية واليمنية والسعودية؛ ودفن القسام في مقبرة الياجور قرب بلد الشيخ التي تبعد عن حيفا 7 كم.

وعلى عكس ما توقع الإنجليز، لم تكن ثورة القسام غير منعطف في تاريخ الحركة الوطنية؛ فقد أسست ومهدت للحركة الثورية التي ستسود فلسطين بعد عدة أشهر من استشهاد الشيخ ورفاقه.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال