ثورة يافا.. تمسك بريطانيا بالانتداب ووعد بلفور والتمادي في السماح بهجرة اليهود الذين طالبوا بتحويل فلسطين كلها إلى وطن قومي لهم

تنامي الشعور القومي لدى الفلسطينيين بعد ثورة القدس في 4/4/1920؛ وعقد المؤتمر الفلسطيني الأول، ثم الثاني؛ وكان الثالث في حيفا في آذار 1921، وهو المؤتمر الذي رفض الانتداب، وطالب بوقف الهجرة اليهودية، وبإنشاء حكومة وطنية في فلسطين.

بعد المؤتمر شرع الصهاينة برفع سقف مطالبهم لتحويل فلسطين كلها إلى وطن قومي لليهود، وشنت صحفهم حملات ضد العرب مطالبة إياهم بالرحيل عن فلسطين.

تمسكت بريطانيا بالانتداب ووعد بلفور، وتمادت في السماح بهجرة اليهود، وقام الصهاينة بالمظاهرات تحدياً للعرب؛ وبصورة خاصة في مدينة يافا؛ حتى إنهم كانوا يستقبلون المهاجرين عبر ميناء يافا باحتفالات ومظاهرات، قبل أن ينقلوا على تل أبيب.

وقد كان العلم الصهيوني يرفع في هذه المظاهرات، وقام سكان المستعمرات المحيطة بتل أبيب بأعمال استفزازية ضد سكان يافا.

احتج العرب عن طريق الجمعية الإسلامية المسيحية وطالبوا بوقف الهجرة، وهددوا بمنع إنزال المهاجرين اليهود إلى البر مهما كلف الثمن، وقرر بحارة ميناء يافا مقاطعة البواخر التي تنقل مهاجري اليهود؛ وأيدت اللجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني الموقف؛ فتوترت الحالة وهاجت الخواطر.

أعلنت الحكومة اعتبار اللغة العبرية لغة رسمية في البلاد إلى جوار العربية والإنجليزية؛ ورفض موسى كاظم الحسيني رئيس بلدية القدس تطبيق هذا القرار؛ فوقع اصطدام بين السلطة البريطانية وبينه، انتهى بإقالته.

وكان هذا سبباً إضافياً لحالة الاحتقان التي عمت البلاد؛ ولكن الشرارة انطلقت من يافا؛ لكونها تتلقى سيل الهجرة عبر مينائها.

في عيد العمال 1/5/1921، قام الصهاينة بمظاهرات كبرى في تل أبيب، أطلقوا فيها شعارات معادية للعرب، وطالبوا بالثأر لدماء اليهود في ثورة القدس.

وقد واكبت المظاهرة فئة من الجنود البريطانيين، وقوة من الشرطة اليهودية؛ لكن المتظاهرين اتجهوا إلى حي المنشية في يافا، وأخذوا يستفزون السكان؛ فهب أهل يافا لرد المتظاهرين؛ فوقع اصطدام دموي، سقط خلاله قتلى وجرحى، وانتهى برد المتظاهرين اليهود.

عاود الصهاينة مهاجمة يافا صباح اليوم التالي؛ وكان بينهم مسلحون؛ فنشبت معركة عنيفة مع العرب، أسفرت عن وقوع إصابات كثير بين المهاجمين.

وهاجم الصهاينة في نفس اليوم قرية العباسية المجاورة ليافا، وقتلوا عدداً من نسائها وأطفالها؛ فثار العرب، وهاجموا الصهاينة في تل أبيب، وقامت القرى المجاورة ليافا بمهاجمة المستعمرات؛ كما اشتبك أبناء عشيرة أبو كشك مع القوات البريطانية التي كانت تمنع وصول الإمدادات.

تواصلت أعمال العنف يوم 3/5/1921 ووقعت حوادث قتل، وحلت أضرار جسيمة بمحلات اليهود التجارية، ولم تلبث هذه الاصطدامات مع الصهاينة والإنجليز أن امتدت إلى قلقيلية وطولكرم والرملة واللد؛ وقامت مظاهرات صاخبة، وقرر كثير من الشباب حمل السلاح والتوجه إلى يافا.

سمع الفلاحون ورجال القبائل في المناطق المجاورة بتعرض العرب للقتل في يافا؛ فتجمع في 5/5 نحو 3000 عربي، شمال مستوطنة بتاح تكفا، وعدة مئات جنوبها؛ غير أن من تولى الدفاع عن هذه المستعمرة لم يكن غير البريطانيين الذين أطلقوا النار على الحشود؛ فارتقى 60 شهيداً وعدد من الجرحى.

لجأت الحكومة إلى الرؤساء الدينيين بعد أن فشلها في إخماد الثورة، وطلبت منهم المساعدة في وقفها، تحت وعد إعادة النظر في سياستها تجاه العرب.  وتبين أن البريطانيين كانوا في انتظار قوة آتية من السويس وقبرص.

وما أن وصلت هذه القوة حتى انقض رجال الجيش والشرطة على العرب في يافا وسائر المناطق المحيطة بها؛ فوقعت صدامات دامية استطاعت بعدها الحكومة إخماد الثورة التي استمرت 15 يوماً.

في هذه الثورة قتل 47 صهيونياً وجرح 146؛ أما العرب؛ فقد استشهد منهم 157 وجرح 700، وقد سقط أكثرهم برصاص البريطانيين.

شكلت حكومة الانتداب محاكم عسكرية وحكمت على عدد من المجاهدين بالسجن؛ وقررت بعدها تشكيل لجنة تحقيق (لجنة هيكرافت)، التي توصلت إلى أن سبب الثورة يتعلق بخطتها القاضية بإنشاء وطن قومي لليهود، وإلى تذمر العرب من محاباة بريطانيا لليهود ووقوفها في وجه حكم العرب لأنفسهم.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال