الأنماط الجديدة في الحرب الاقتصادية.. التجسس على الاتصالات التي تتم عبر الهاتف والبريد الألكتروني بهدف الحصول على عقود تجارية على حساب الشركات الأوروبية

إن "التجسس" هو أول هذه الأنماط الجديدة من الحروب الاقتصادية، فبعد أن كان ذلك مقتصراً على جمع المعلومات السياسية والستراتيجية، فقد استحدثت أجهزة المخابرات في معظم دول العالم نوعاً جديداً أطلق عليه "التجسس الاقتصادي"، حيث يهتم بجمع البيانات حول النشاط الاقتصادي للشركات التابعة للدول الأخرى تحليلها من خلال تجنيد الأفراد، أو اختراق أجهزة الحاسب داخل هذه المؤسسات.

بل إن الخبراء يتوقعون أن مستقبل الدول في السنوات القادمة سوف يتوقف على مدى عبقرية الجواسيس ورجال الأعمال الذين بإمكانهم إتقان الجاسوسية الاقتصادية، خاصة في ظل تضاؤل مصادر الثروة وزيادة غنى دول الشمال وتدني المعيشة في دول الجنوب، والدليل على ذلك اكتشاف أكبر عملية تجسس اقتصادية تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ضد أوروبا باستخدام الأقمار الصناعية، حيث تسببت في أن يخسر الألمان 12 مليار دولار.

كما اعتقلت شرطة دولة الإمارات العربية المتحدة 19 شخصاً بينهم ثمانية بريطانيين بتهمة حيازة أجهزة تجسس غير مصرح بها.

كما دخلت الحاسبات الآلية "كعنصر أساس في الحروب الاقتصادية،  فبالإضافة إلى الآثار السلبية لهذه التقنيات على النسيج الاقتصادي والاجتماعي للبلد المستهدف إلا أنه تصاعد استخدام "فيروس" الحاسوب كأداة من أدوات الحرب الاقتصادية في القرن الـ 21، وهو عبارة عن برنامج مدمر يلحق نفسه بالبرامج الشرعية الموجودة في الحاسوب رغم أنف المستخدم، ويتكاثر أثناء عملية التشغيل وينتشر الفيروس عبر الشبكات والنظم، وينتقل عبر الملفات بسرعة. وهو ما يعني استخدامه في كافة أنواع الحروب الاقتصادية لعرقلة قدرات الخصم وإرباك نظمه الألكترونية.

وفي إطار تسارع ظاهرة العولمة الاقتصادية وانتشار العديد من "الشركات العملاقة والمتعددة الجنسيات" التي أصبحت ميزانياتها تتعدى مئات المليارات من الدولارات.

فإن هذه الشركات ترتبط بعلاقات وطيدة بأجهزة الاستخبارات، وهو ما يؤكده الدور الذي لعبته هذه الشركات في إثارة الأزمة المالية الآسيوية، في محاولة لضبط تجربة النحو الكبير الذي حققته هذه الدول، فقد وفرت الفرصة للولايات المتحدة الأمريكية للتحكم والتأثير في تلك الاقتصاديات، خاصة وأن نسبة كبيرة من صادرات هذه الدول تتجه إلى الأسواق الأمريكية.

فضلاً عن تلاعب هذه الشركات في البورصات المالية وأسواق المال عن طريق المضاربة في أسهم شركات معينة في محاولة للسيطرة عليها، وكذلك دورها في شراء الأسهم أو السيطرة على شركات معينة بهدف تحقيق الاحتكار وشن غزو اقتصادي لأسواق الدول المستهدفة.

أكد التقرير استئثار أمريكا بنصيب الأسد في شن هذه الحروب الاقتصادية، حيث إن هناك 95% من الشركات الأمريكية الكبرى تستخدم أجهزة الاستخبارات الاقتصادية، وفي إطار ذلك تستخدم مختلف أساليب التجسس الاقتصادي من الرشوة وبث المعلومات المضللة، وزرع أجهزة التجسس بين مقاعد الطائرات في مقصورة رجال الأعمال، وكذلك في مجال القرصنة الألكترونية عن طريق دس برنامج يعرف باسم وعد "Promise" داخل الأجهزة، يسمح باختراق بنك المعلومات وذاكرة الحاسوب للخصوم.

ولعل الحرب الأمريكية – الصينية تعد أهم أمثلة الحروب الاقتصادية على مواقع الإنترنت، وخاصة إثر تصاعد الأزمة بين الصين وأمريكا بسبب طائرة التجسس الأمريكية التي استطاعت الصين إجبارها على الهبوط في جنوب الصين، تحول التوتر بين واشنطن وبكين إلى حرب ساحتها مواقع الإنترنت بعدما هدد قراصنة المواقع الصينية بمهاجمة مواقع أمريكية في ظل تقارير تعرض مواقع صينية لهجمات من قبل متسللين أمريكيين، بل إن خبراء الإنترنت في الولايات المتحدة أكدوا أن ستة -على الأقل- من المواقع الأمريكية المهمة تعرضت للتخريب على أيدي متسللين صينيين من بينها مواقع وزارة العمل، والصحة، والخدمات الإنسانية، ومجلس النواب الأمريكي.

بل بدأت واشنطن تسخر أجهزتها المختلفة من أجل التجسس على مستخدمي الإنترنت سواء أكانت مؤسسات مالية أو أفراداً عاديين، وهو ما تكشفه فضيحة "اتشيلون" والتي اتهمت فيه الحكومة الفرنسية، نيابة عن الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية بالتجسس على المؤسسات الاقتصادية الأوروبية عبر التجسس على الاتصالات التي تتم عبر الهاتف والبريد الألكتروني؛ بهدف الحصول على عقود تجارية على حساب الشركات الأوروبية، بل أكدت هذه الفضيحة استخدام بعض الشركات للمساعدة على عمليات التجسس مثل شركة "مايكروسوفت" و "آي بي إم" وذلك من خلال ثغرات عديدة في سلسلة برامج "ويندوز تي إن تي" تسمح للمتسللين ولأجهزة المخابرات الأمريكية بالسيطرة على أجهزة الخادم المركزي والاطلاع على كل المعلومات التي يحويها وسرقتها،  بل امتدت يد المخابرات الأمريكية إلى الأقمار الصناعية لاستخدامها في عمليات التجسس.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال