التجسس وجمع المعلومات.. توفير الأجهزة الالكترونية التي تستطيع كشف عمليات التجسس المضادة وتأمين وسائل الاتصال الرئيسة

أصبح التجسس وجمع المعلومات الاقتصادية من مهام أجهزة المخابرات للدول تجاه الدول الأخرى، وأهم هذه الأجهزة هو ما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية حالياً من برنامج نوعي للتجسس الفضائي.

فمع حرب الخليج عرف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية بوجود نظام "ابشلون"، الذى يراقب كافة أنواع الاتصالات في العالم، وهو يقوم بالاعتراض والتنصت على كل همس الكتروني على الأرض.

ويتولى هذا المكتب تنسيق أعمال 12 قمراً صناعياً مزوداً بكاميرات رقمية متطورة وكمبيوترات متقدمة ولواقط إلكترونية ضخمة، وتصل قدرات هذه الأقمار إلى حد تصوير أي جسم على الأرض يصل حجمة لحجم كرة صغيرة في أي وقت - ليلاً ونهاراً - وأياً كانت حالة الطقس.

ومع ابتعاد شبح الحروب العسكرية بدأ الدور المؤثر للاقتصاد في قوة الدولة يتزايد، ويتوقع الخبراء أن مستقبل الدول في السنوات القادمة - وبخاصة في المجال الاقتصادى - سوف يتوقف على عبقرية الجواسيس ورجال الأعمال الذين بإمكانهم إتقان جاسوسية عالم الاقتصاد.

كما ذكرت مصادر في ألمانيا أن خبراء ألمانيين في شؤون الأمن والاستخبارات اكتشفوا بالأدلة القاطعة أكبر عملية تجسس اقتصادية تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية ضد أوروبا، وذلك باستخدام الأقمار الصناعية لرصد الأنشطة الاقتصادية والعلمية في بريطانيا وألمانيا.

وهذه العملية تسببت في أن يخسر الألمان حوالي 12 مليار دولار، وهى خسارة ناجمة عن قيام الأمريكيين خلال التجسس بسرقة الأبحاث العلمية المتطورة المتعلقة بشؤون الاقتصاد والمشروعات الخاصة بتحقيق النمو في مجال الزراعة وغيره من المجالات الاقتصادية الحيوية.

وازدادت وتيرة التجسس وجمع المعلومات الاقتصادية مع انتشار مجموعة من الشركات والمؤسسات العملاقة والمتعددة الجنسيات التي أصبحت ميزانياتها تتعدى مئات المليارات من الدولارات تفوق ميزانيات عشرات الدول معاً، ومن أهم أعمالها في الوقت الحاضر هو تدمير اقتصاديات الدول المستهدفة؛ ولعل تجربة النمو الكبير الذى حققته نمور دول جنوب شرق آسيا عندما تعدت إنجازاتها الخطوط الحمراء المحددة لها خير مثال على ذلك.

وقد حدد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، الدور الجديد للمخابرات الأمريكية في كلمة ألقاها في 14 يوليو 1994م بمقر الCIA عندما قال: "إن دوركم هو المساهمة في رخاء ورفاهية الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن الحادي والعشرين".

ومنذ هذا الوقت أصبحت عمليات القرصنة الألكترونية التي تحدث عبر شبكات الإنترنت أعمالاً عادية تجاه كافة دول العالم المختلفة، ومنها الدول العربية. كما كان الرئيس الأمريكي الأسبق هارى ترومان قد منح هذا الامتياز لوكالة الأمن القومي NSA منذ أكتوبر 1952م للتجسس على كل ماله علاقة بالمصالح القومية الأمريكية السياسية والاقتصادية والعسكرية.

فالدول العربية أيضاً -مثلها مثل دول العالم الأخرى- مستهدفة في ذلك أيضاً، وتؤكد ذلك الأحداث التالية:

(1)- في أكتوبر 1985م، اعترضت المقاتلات الأمريكية في البحر المتوسط طائرة شركة مصر للطيران المدنية المتجهة إلى تونس، التي كانت تقلّ الفلسطينيين المتورطين في حادث اختطاف السفينة (اكيلو لاورو) في العام 1985م، ومن المحتمل أن تكون المخابرات المركزية الأمريكية قد اعتمدت على المحادثات التليفونية المتبادلة داخل مصر كمصدر للمعلومات.

(2)- في بداية عام 1992م اضطرت طائرة الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى الهبوط الاضطراري وهي في طريقها من السودان في ليبيا بسبب عاصفة رملية مفاجئة في الصحراء الليبية في الطرف الجنوبي من الحدود مع السودان، ولم يستطع الطيار بث إحداثيات مكان الطائرة مباشرة قبل الهبوط، وكل ما وصل إلى محطات المتابعة هو نداء استغاثة ساد بعده الصمت.

وقد ساعدت الولايات المتحدة في عمليات البحث عن الطائرة وتحديد مكانها، مما أدى إلى نجدة الركاب والطاقم في الوقت المناسب، ما يعني أنها قد استعانت لهذه الغاية بأحد أقمارها الخاصة بالتجسس والاستكشاف.

(3)- في السادس عشر من شهر فبراير 1998م تناقلت وكالات الأنباء معلومات عن المخابرات الأمريكية والأسرائيلية عن قيام العراق بتهريب كمية من اليورانيوم المخصب إلى السودان عبر الأردن في برميل نقلته عربة موبيليا، وقد تم ذلك الرصد من خلال التجسس الأمريكي على العراق قبل الاحتلال.

(4)- إعلان مصادر إسرائيلية عن رصد اتصال بين الرئيس السوري بشار الأسد وحسن نصر الله زعيم حزب الله في جنوب لبنان يهنئه على نجاح عملية أسر الجنود الأسرائيليين الثلاثة أواخر عام 2000م.

(5)- في السادس عشر من يوليو 2001م نشرت صحف محلية عراقية أنها رصدت مواقع انترنت عسكرية إسرائيلية كانت تحاول التجسس على مواقع عراقية وخليجية، وأنها تمكنت من الحصول على معلومات هامة عنها.

وما سبق يؤكد أن السفارات الأمريكية في المنطقة وإسرائيل -علاوة على مراكز التنصت المنتشرة في المنطقة، وبخاصة في كل من تركيا وإسرائيل حالياً عقب إغلاق المركز الرئيس في إيران منذ سقوط الشاه وقيام الثورة الإسلامية في العام 1979م وانتقال مركز التنصت والتجسس إلى تركيا - تقوم بالتجسس على الدول العربية.

وفي ختام استعراضنا لحالات التجسس الاقتصادية لا يفوتنا ذكر أنه وفي أواخر العام 2001م - وعقب وصول الطائرة الجديدة من شركة بوينج الأمريكية للرئيس الصيني- تم اكتشاف عشرين جهاز تجسس في الطائرة، مما أضاف مشكلة أخرى للملفات العالقة بين البلدين.

من هذا المنطلق، وحرصاً على أمن المنشآت ومراقبة الاتصالات، سعت الدول لتحقيق عديد من الأعمال بهدف تحقيق الأمن الداخلي، مثل:

1- الاهتمام بألاَّ يتم عقد اتفاقيات تكنولوجية إلا بعد أن يتم مراجعة المسؤولين في أجهزة الأمن.

2- أهمية توفير الأجهزة الالكترونية التي تستطيع كشف عمليات التجسس المضادة وتأمين وسائل الاتصال الرئيسة، خصوصاً بين كبار المسؤولين في المؤسسات في الدول العربية.

3- أن تقيم الدول العربية فيما بينها تعاوناً أمنياً لمكافحة أي تجسس يوجه إلى أي من الدول العربية، خصوصاً للشركات التجارية ومعاملاتها المالية، وأهمية تبادل المعلومات فيما بين الدول العربية بهذا الخصوص.

4- الاهتمام على مستوى الشركات في الوطن العربي بإنشاء مراكز بحوث ومعلومات تستطيع رصد الأسواق اقتصادياً، وكذلك رصد دلالات أي تكنولوجيا وافدة.

وسمحت التكنولوجيا بحرب جديدة لا تحتاج إلي جيوش أو عتاد عسكري.. إنها الحرب الاقتصادية. والقوى العظمي الراسخة أو تلك التي انبثقت حديثا مثل الصين تشن فيما بينها حرباً بلا هداوة في المجال الاقتصادي. وهذا ما سجله (كرستيان هاربولو) في كتابه "اليد الخفية للقوي العظمي".

والمؤلف خبير له نظريات وممارسات في هذا الميدان، وهو لا يكتفي بتحليل الظاهرة وإنما يطالب بثقافة قوي جديدة تسمح للاتحاد الأوروبي بأن يكون علي مستوي تحدي الاقتصاد الحديث.

لقد أصبح هناك "آذان أمريكية عملاقة" تراقب اتصالات كوكب الأرض. إن التجسس الاقتصادي لا يهتم بالتكلفة فهو واثق من النتيجة الايجابية الهائلة بشرط أن يفطن أحد لوجودها.

وتفجرت الفضيحة في بداية شهر يونيو وقام الانتربول بتتبع القضية الذي قد يكشف عن أكبر وأهم قضية تجسس صناعي تمت في العشر سنوات الأخيرة.

بدأ كل شيء في شهر نوفمبر 2004 عندما اكتشف كاتب اسرائيلي علي الإنترنت أجزاء من كتاب لا يزال يعده فتقدم بشكوى واكتشفت الشرطة على جهاز الكمبيوتر الخاص به حصان طروادة.. برنامج الكتروني صغير يسمح بالتجسس عن بعد على مخزون الكمبيوتر.

وحامت الشبهات حول زوج ابنة المؤلف الذي لم تردد في الاعتراف بأنه بعد أن هجرته زوجته قرر الانتقام من الأسرة..

وبالإمساك بخيوط هذه القضية اكتشف المحققون أن المتهم لم يتوقف عند هذا الحد.. لقد باع جهاز تجسسه الألكتروني إلى مؤسسات خاصة للمعلومات، وهذه الأخيرة اقترحت بدورها على مؤسسات أخرى منتشرة في أرجاء العالم أو تمثل منتجات شهيرة في إسرائيل بأن تبيع لها أسراراً خاصة. وقد وضعت الشرطة أيديها علي أكثر من 80 مؤسسة وقعت ضحية لهذا التجسس الصناعي على نطاق واسع.

ويفيد المركز الأوربي للمعلومات الستراتيجية والأمن ومقره في بروكسل بأن هناك شبكة تجسس اقتصادي صينية منتشرة في أرجاء شمال أوروبا و"تعتبر الصين من أكثر الدول استفزازاً في مجال التجسس الألكتروني" كما يقول جاك باند مؤلف كتاب "انسيكلوبيديا التجسس" (عام 2002) ولكن في معظم الأحوال لا يعلن عن هذه القضايا، إذ من هي المؤسسة التي يمكن أن تكشف عن عجزها في الدفاع عن نفسها؟، ثم إن المصالح القومية يمكن أن تضار.

إن فرنسا لن ترضى بالطبع بأن تقع في مشاكل مع الصين. وعادة فإن الفائدة تعود على المؤسسة أو الدولة التي استفادت من التجسس. ويقول أحد الخبراء في الحماية السرية للصناعات.. "حسب نوعية المعلومات التي يمكن الحصول عليها تختصر خطوات البحث لمدة تتراوح بين 5 و10 سنوات وفي بعض الحالات فإن أسواقا كاملة تكتسب أو تفقد".

ومن الأساليب المعروفة عن التجسس الصناعي.. الإشراف علي ميزانية إحدى الشركات لاقتحام  نتائج أبحاثها وسلبها.

ومن الحيل المتبعة لسرقة معلومات مؤسسة أخرى نشر إعلانات صغيرة تبهر بأرقام توزيع منتجاتها أو ميزانياتها. مثل هذه الإعلانات تهدف إلى جذب اهتمام مهندسين أو باحثين متخصصين وعندما يقعون في الفخ يتم التلاعب بهم بمهارة فائقة من خلال لقاءات مدروسة جداً حتي لا يتشكك أحد في المناورة، ويحاول الضحايا إظهار أفضل ما عندهم عند رؤسائهم الجدد ودون أن يدروا يفشون بالمعلومات الستراتيجية المطلوبة.. وبعد عدة أيام يصل طالب الوظيفة خطاب بأن الحظ لم يسعفه لشغل الوظيفة.

إن التجسس الالكتروني أصبح يمس كل القطاعات ويعتبر الجيش والأمن من أكثر المجالات التي تهدف لها عمليات التجسس. وتأتي بعدها القطاعات التي تشتد فيها المنافسة مثل مصانع المواد الغذائية ومستحضرات التجميل وصناعة الأدوية. ومثل كل الحروب فإن الفوز في الحرب الاقتصادية لا يتأتى إلا برصيد هائل من المعلومات.

إن الحرب الاقتصادية معلنة ولكنها لا تكشف عن أساليبها. وربما هي الحرب الوحيدة التي لا تدينها الولايات المتحدة الأمريكية بل العكس هو الصحيح، إذ إن الولايات المتحدة كانت تضع دائما في متناول مؤسساتها خدمات التجسس الألكتروني والمعلوماتي وتسجل تحت بند "استراتيجية الهيمنة الاقتصادية" وذلك بالوجه المكشوف وهي على كل حال معظم الدول المتقدمة الكبري حيث لا حدود بين المصالح الشخصية والمصالح العامة.

وعلي سبيل المثال فإن الوكالة الفيدرالية الأمريكية للأمن القومي (NSA) تمتلك أكبر نظام تنصت في العالم ويستوعب أكثر من مائة مليون اتصال تليفوني وإيميل أو فاكس ويمكن أن يلتقط ويفك شفرتها كل شهر.

وتبرير استخدام الآذان الألكترونية العملاقة هو أنها تحارب "أعداء الحرية" والحقيقة أنها تستخدم لأهداف اقتصادية.

وبسبب هذا التجسس الألكتروني خسرت إحدى الشركات الفرنسية عقداً قيمته 2،1 مليار يورو لصالح شركة أمريكية بخصوص توريد أجهزة رادار للبرازيل.

وهذه الوكالة سبق أيضاً أن التقطت مضمون عقود بيع طائرات أيرباص لصالح شركتي بوينج وماك دونالد دوجلاس.

ومن هذا التوقيت وفرنسا تستخدم قواعد لأجهزة التنصت لهذه الأغراض نفسها، وأصبحت تمتلك اليوم أنظمة على مستوي هائل من التقنية يمكنها التصدي لأقمار التجسس الأمريكية والصينية أو الأسرائيلية التي تسمح اليوم وبسهولة رؤية محتويات طبق طعامك.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال