قوانين الاستثمار العربية وأثرها في العملية التنموية.. زيادة درجات التحرر الاقتصادي لتعميق مستوى التكامل مع الاقتصاد العالمي

شهدت الاقتصادات النامية ومنذ بداية عقد الثمانينات من القرن المنصرم، تحولاً في توجهات السياسات الاقتصادية، من رفض الاستثمار الأجنبي المباشر إلى تشجيعه، بعد تزايد الاقتناع بأهمية الدور الذي يلعبه هذا النوع من الاستثمار في عملية التنمية الاقتصادية  سواء من حيث كونه مصدراً مستقراً نسبياً للتمويل - مقارنة بالأنواع الأخرى من مصادر التمويل الأجنبي- أم من حيث كونه وسيلة هامة لتوفير فرص التشغيل ونقل تكنولوجيا الإنتاج، وتحديث الصناعات المحلية وتطوير القدرات التنافسية التصديرية للاقتصاد، وتحقيق الاستخدام الكفء للموارد النادرة، فضلا عن دوره في رفع مستوى الإنتاجية سواء من حيث تطوير المهارات والقدرات الابتكارية، أم من حيث تطوير الكفاءات التنظيمية والإدارية، وتحسين جودة المنتجات السلعية والخدمية، وتعميق وتوسيع الترابطات الإنتاجية.

وكان من أبرز مظاهر هذا التحول، سعي السياسات نحو زيادة درجات التحرر الاقتصادي لتعميق مستوى التكامل مع الاقتصاد العالمي، فأخذ العديد من هذه الاقتصادات يتخلى تدريجياً عن السياسات الحمائية وسياسات تعويض الاستيراد ويتحول  نحو تبني سياسات أكثر انفتاحاً في مجال التجارة والاستثمار كسياسة تشجيع التصدير، فأدخلت العديد من التعديلات على قوانين الاستثمار، بهدف تهيئة المناخ الاستثماري الملائم لاستقطاب تدفقات الاستثمار الأجنبي، وعلى الرغم من الإدراك بأن ذلك النوع من الاستثمار لا يشكل بديلاً عن الاستثمار والادخار المحلي، بل هو مكمل له.

إن هذا النوع من الاستثمار يحمل بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية الضارة، التي تظهر كنتيجة لإزاحة جزء مهم من المشاريع المحلية من عملية الإنتاج والاستثمار، وهنا يبرز دور السياسات الاقتصادية في تعظيم المنافع وتقليل التكاليف ولا تزال هناك مجموعة من الدول النامية ولأسباب غير اقتصادية، لا تمتلك القناعة بأهمية الاستثمار الأجنبي المباشر.

إلا أن رغبة هذه المجموعة في الحصول على عضوية منظمة التجارة الدولية، قد فرضت عليها،  اتخاذ بعض الإجراءات الهادفة إلى تخفيف القيود على التجارة والاستثمار. حيث شهد العام 2001 إدخال (208) من التغييرات الناظمة للاستثمار في (71) بلداً، وكان 90% من هذه التغييرات يهدف إلى جعل مناخ الاستثمار أكثر ملاءمة للاستثمار الأجنبي المباشر.

وفي هذا السياق يحدد تقرير الاستثمار العالمي ثلاثة عوامل، يرى أنها  كانت تشكل القوى الدافعة الرئيسة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو الدول النامية، وفي عملية تغيير المواقع التوطنية للشركات متعددة الجنسية، أولها تحرير السياسات الاقتصادية، وثانيها التغيير التكنولوجي السريع وما رافقه من انخفاض  في تكاليف النقل والاتصالات - أي تلاشي المسافات - أما القوة الثالثة فقد جاءت  كنتيجة للقوتين السابقتين، وهي احتدام عملية المنافسة بين الشركات المتعددة الجنسية - التي تتولى عمليات الاستثمار.

فهذه العوامل الثلاثة مجتمعة قد هيأت الظروف الملائمة لقيام  تلك الشركات بالبحث عن مواقع إنتاجية جديدة لزيادة كفاءتها الاقتصادية،  فأخذت تنقل جزءاً من نشاطها الإنتاجي نحو الدول النامية.

كما ساهم الركود الاقتصادي في الدول المتقدمة بزيادة حدة هذه الضغوط التنافسية وفي تزايد الحاجة إلى البحث عن مواقع جديدة تكون أقل تكلفة، إلى جانب كونها تمتع بعدد من  المزايا النسبية الديناميكية كالخبرات والمهارات وبسرعة استيعاب التكنولوجيا الجديدة وبانخفاض الأجور.

ويمكن القول إن عملية تغيير المواقع التوطنية للشركات متعددة الجنسية قد اعتمدت على عدد من العوامل المتداخلة.

ومن أهم هذه العوامل هو مدى وجود  بيئة سياسية وقانونية مستقرة وإدارة جيدة للاقتصاد الكلي، ومدى وجود حوافز مالية وضريبية وسياسات اقتصادية ليبرالية،  فضلا عن الدور المحوري الذي تلعبه الظروف الإنتاجية السائدة في الدول المضيفة.

وفي مقدمة تلك الظروف، مدى وفرة العمل الماهر بتكلفة منخفضة وخلال المدة (1975 -2000) تنامت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بأكثر من 50 ضعفاً.

فبعد أن كانت 55 مليار دولار في العام1975 وصلت إلى أقصى مستوى لها في العام 2000 فبلغت 1271 مليار دولار، إلا أنها سجلت تراجعاً حاداً في العام 2001 نتيجة لحالة الركود التي شهدها الاقتصاد العالمي وخاصة في الاقتصادات الثلاثة الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، والاتحاد الأوربي) فوصلت إلى 735 مليار دولار، ذهب أكثر من 68% منها إلى الدول المتقدمة وهي 503 مليار دولار، وبلغت حصة الدول الانتقالية 4% وهي 27 مليار دولار.

وأما حصة الدول النامية فبلغت حوالي 28% وهي 205 مليار دولار، ذهب منها  94.365 مليار دولار أو ما يعادل 46% نحو دول جنوب وجنوب شرق أسيا، ولم تحظ الدول العربية سوى بـ1% من إجمالي التدفقات العالمية أو ما يعادل 4% مجموع التدفقات الموجهة نحو الدول النامية.

وجاءت المغرب بالترتيب الأول وحصلت على 2.658 مليار دولار والجزائر بالترتيب الثاني وحصلت على 1.196 مليار دولار، ومصر بالترتيب الثالث وحصلت على 510 مليون دولار وكان الترتيب الرابع من نصيب تونس وحصلت على 486 مليون دولار وجاءت الأردن بالترتيب الخامس وحصلت على 169 مليون دولار.

وظل الجزء الباقي من الدول العربية متلقياً هامشياً لتدفقات الاستثمار المباشر ولتقييم أثر السياسات الاقتصادية الكلية في الدول العربية في مناخ الاستثمار ومن ثم في نصيب تلك الدول من تدفقات الاستثمار.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال