مؤشر السياسة المالية.. إدارة العجز في الموازنة العامة تتم من خلال الضغط على الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات

عادة ما يتم اللجوء إلى استخدام نسبة العجز الداخلي كمؤشر يعبر عن السياسة المالية يقاس بنسبة العجز في الموازنة العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي. وتهدف الاقتصادات المستقرة إلى تقليص مثل هذا العجز إلى الحد الذي يمكن تمويله دون توليد ضغوط تضخمية،  ومن ثم فإن اتجاه العجز إلى الانخفاض عادة ما يؤخذ على أنه يشير استقرار اقتصادي.

وكما هو معروف فإن إدارة العجز في الموازنة العامة تتم من خلال الضغط على الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات في إطار السياسات المالية التي تقررها الحكومات ومن ثم يستخدم العجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي كأحد أهم مؤشرات هذه السياسات. وتتبع الحكومات سياسات ضريبية ومالية معينه لعلاج عجز ميزانية الدولة.

(1)- قد تزيد الحكومة من إيراداتها  من خلال رفع معدلات الضرائب، أو فرض ضرائب جديده، الأمر الذي يسيء إلى الأوضاع العامة، وكان من نتائج استمرار الدول العربية في تطبيق سياسات التصحيح الاقتصادي والإصلاح الهيكلي واتباع سياسات نقدية تهدف إلى المحافظة على استقرار الأسعار أن اتجهت معدلات التضخم نحو الانخفاض منذ منتصف التسعينات ولم يتجاوز معدل التضخم في أي من الدول العربية 5.0  %في عام 2001 باستثناء السودان التي بلغ معدل التضخم فيها 7.4 في ذلك العام.

ويقدر انخفاض الأسعار في العام 2001، مقيساً بالتغير في الرقم القياسي لأسعار المستهلك، في كل من السعودية بنسبة (-0.8 %) وقطر بنسبة (-0.7%) وعمان بنسبة (-1.0) % وليبيا بنسبة (-8.1) % وبلغت نسبة ارتفاع الأسعار 4.7 % في موريتانيا، تليها اليمن 4.3 % والجزائر بنسبة 4.2 % وارتفعت الأسعار في باقي الدول العربية بنسب تراوحت بين 0.5 % في البحرين وسورية و2.2 % في مصر، خاصة إذا تعلق الأمر بالضرائب على الأعمال، مثل الضرائب على رأس المال المستثمر، أو الضرائب على الدخل، أو الضرائب على الأرباح التجارية والصناعية، حيث يشكل هذا النوع من الضرائب عبئاً إضافياً على المستثمر، ويزيد من تكاليف الإنتاج  ويقلل من هامش الربح.

أما الضرائب الأخرى فهي تؤدي إلى انخفاض الدخل المتاح للتصرف،  أي انخفاض حجم النقد المتداول، مما يؤدي إلى ارتفاع سعر الفائدة وأيضا انخفاض الطلب الفعال على السلع الصناعية،  وبالتالي انخفاض الاستثمار.

(2)- قد تخفض الحكومة من إنفاقها الاستثماري،  الأمر الذي يترتب عليه إفساد المناخ الاستثماري لكل من الاستثمار الخاص والأجنبي.  حيث عادة ما يكون الاستثمار العام مكملاً للاستثمار الخاص والأجنبي ويتجه الاستثمار العام، أما إلى أنشطة إنتاجيه حيوية يحجم عنها الاستثمار الخاص لانخفاض عائدها المتوقع رغم أهميتها في تكوين جهاز إنتاجي مترابط ومتنوع تقوى فيه الترابطات الأمامية والخلفية،  وإما إلى استثمارات في البنية الأساسية التي تعد ضرورية أيضاً لتشجيع الاستثمار الخاص، كما قد تخفض الحكومة من إنفاقها الجاري مما يساعد على تخفيض الطلب وتضييق نطاق السوق.

وأظهرت التطورات في السنوات الأخيرة أن السياسات المالية في الدول العربية تفتقر إلى المرونة الكافية نظراً لاعتمادها الكبير والمستمر على مصادر محددة للحصول على الجزء الأكبر من الإيرادات، الأمر الذي يجعلها عرضة للتأثر  بصورة كبيرة من جراء الصدمات التي قد تتعرض لها تلك المصادر.

ففي الدول المصدرة للنفط، تشكل الإيرادات النفطية حوالي ثلاثة أرباع مجمل إيرادات المالية العامة وتشكل الإيرادات الضريبية وزناً مماثلا في الدول الأخرى ففي العام 1998، على سبيل المثال أدى انخفاض الإيرادات النفطية إلى انخفاض كبير في الإيرادات الحكومية للدول المصدرة للنفط قدر بما يقرب من 25 % من مجمل الإيرادات، وبالنسبة للدول الأخرى، فإنه على الرغم من الإصلاحات الواسعة التي تعمل على إدخالها في أنظمتها الضريبية فإن الإيرادات الضريبية لم تحقق بعد النمو المرجو لها.

ويلاحظ هنا أن نسبة العجز الكلي في الموازنات العامة للناتج المحلي الإجمالي ارتفعت مما يقرب من 2.4% في العام 1997 إلى  6.2 % في العام1998 واستمرت في مستوى 5.4% في العام 1999 قبل أن يتحول إلى فائض وصلت نسبته إلى 0.8 % في العام 2000 نتيجة لارتفاع أسعار النفط العالمية وقد ارتفع العجز مرة أخرى في العام2001 إلى نحو 2%.

ومن الملاحظ أن الدول العربية سعت إلى تخفيف أثر انخفاض أسعار النفط على مجمل الإيرادات، من جانب، وعدم النمو في  الإيرادات الضريبية بالصورة المتوقعة، من جانب آخر، وعملت الحكومات في معظم  هذه الدول على ضبط النفقات من خلال تخفيض الإنفاق الاستثماري مع ترك الإنفاق الجاري عند مستوياته السابقة.

وفي ضوء الانخفاض المستمر الذي تسجله نسبة الاستثمار المحلي إلى الناتج المحلي وتواضع تراكم رأس المال الثابت  فإن اللجوء إلى خفض الإنفاق الاستثماري من أجل التكيف مع الانخفاض في الإيرادات العامة أو مع عدم نموها بالصورة المطلوبة يمثل اتجاهاً خطيراً.

وتشير توقعات صندوق النقد الدولي للعامين 2001 و2002 إلى عودة عجز مالية الحكومة في الدول العربية إلى الارتفاع الأمر الذي يعكس انخفاض أسعار النفط والسياسات المالية التوسعية في الدول العربية.

وفضلاً عن ذلك،  فإن من الملاحظ أن عدداً من الدول العربية المصدرة للنفط لجأت عند ارتفاع العجز في الموازنة الحكومية إلى الجهاز المصرفي مرة أخرى لتمويل جانب منه، بعد أن تبنت سياسات ارتكزت على تمويل العجز الحكومي من مصادر حقيقية غير تضخمية، كذلك  فإنه فضلاً عن عدم مرونة السياسة المالية بالدرجة الكافية، فإن من الأمور التي تجعل من أوضاع مالية الحكومة في أعداد متزايدة من الدول العربية غير قابلة للاستمرار هو تراكم الدين العام الداخلي.

ومن الملاحظ في هذا الشان أن نسبة الدين العام الداخلي إلى الناتج الإجمالي آخذة في الارتفاع، وقد بلغت في عدد من الدول العربية مستويات عالية بحيث أصبحت خدمة هذا الدين تستحوذ على نسب متزايدة من الإيرادات العامة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال