النسق السياسي.. السلطة هي القدرة أو القوة التي تمكن الأجهزة من السيطرة على الناس، والحصول على طاعتهم وتضع سياستها موضع التنفيذ من أجل تحقيق أمنها

النسق السياسي
Layout political

لم تكتمل الدراسات الأنثربولوجية في وضع مفاهيم نهائية لدراسة الأنساق البنائية،  كذلك علماء الأنثروبولوجي لم يحددوا تعريفا موحداً للأنساق.

هكذا هو واقع هذه الدراسة، ولكن هناك إتفاق على المقولة التي مفادها: (إن الأنثروبولوجيا: نظرية وتطبيق، ومادامت على هذه الشاكلة فهي ماضية في مسعاها في فهم الحياة الاجتماعية، ومعرفة كنه البناء الاجتماعي في كل متغيراته وتحولاته).

وهذا معناه أننا إذا نظرنا إلى فكر العلم الأنثروبولوجي وأدبياته ودراساته الحقلية ومحاولاته الدائمة استيفاء النظرية الأنثروبولوجية حقها في وضع تعريف للنسق، حتى إذا أخذته ومضت به باتجاه المجتمعات، وجدت ضالتك، وقمت بالتغيير الأسلم والأكثر مصداقية للنسق المدروس من قبلك.

إلا أن ثمة محددات وعوائق تجعل العلم الأنثروبولوجي ودراساته لا تبلغ الكمال الذي وصلت إليه العلوم الطبيعية والفيزيائية. وهذا معناه أن النظرية الأنثروبولوجية لم تقل كلمتها النهائية حتى هذه اللحظة بشأن موضوعاتها.
نخلص إلى أن مفاهيم الأنثروبولوجية عن البناء الاجتماعي وحركة واقعه فيها بعض الثغرات، وفيها أيضاً بعض الاحتمالات وهذه وتلك تدعو التنمية السياسية عندما تباشر مهامها في الوطن العربي إلى ألا تأخذ المفاهيم كما هي مدونة في الفكر الأنثروبولوجي، وإنما أن تترك الأبواب مفتوحة أمام المزيد من التطوير والتفسير الذي يزيد من استيعاب المفهوم لحركة الواقع داخل جزئياته، تكريساً للمقولة التي تقول إنَّ الأنثروبولوجيا: نظرية وتطبيق.

لذلك فإن الدراسة ستأخذ مفهوم النسق السياسي وتسحبه على الواقع العربي معلنة أنها تعتبره الفعل السياسي الذي يتم داخل البناء الاجتماعي العربي في مستوياته المحلية والوطنية والقومية من قبل أبناء المجتمع وسلطاتهم السياسية، وأحزابهم وجمعياتهم الأهلية والحكومية، وفي ظل دولة قطرية لم تكتمل في بنيانها السياسي وسيادتها الوطنية. بل هي منقوصة الأداء بفعل متطلبات السلطة غير المتوفرة فيها. وأيضاً بفعل التحديات الخارجية التي تجد في نقاط ضعف إمكانات القطر الواحد مداخلها.

ويرى العلم الأنثروبولوجي ودراساته الحقلية أنَّ النسق السياسي في الوطن العربي يغلب عليه الضعف والأداء الانقسامي للأسباب الآتية:‏

1- إن المجتمع العربي مجتمع أهلي حيث لا تزال علاقات قربى الدم هي الغالبة عليه، وأن العصبية المتأتية من هذه القربى لا يزال لها تأثيرها في علاقات الناس السياسية والاجتماعية والثقافية، ولها علاقة مباشرة في طابع الانتماءات المحلية والوطنية والقومية، وتصل في تأثيرها على مواطنة الإنسان العربي لأن علاقات القربى ومستوياتها وعصبياتها تجعل الإنسان العربي يعيش في دائرة أو سلسلة متواصلة من الانتماءات علتها الرئيسية قربى الدم.

فهو في المجتمع الأهلي ابن أسرته أولاً. ثم ابن عائلته ثانياً وابن فخذه وبطنه وعشيرته وقبيلته وابن حارته قبل أن يكون ابن قريته او مدينته وابن قريته ومدينته قبل أن يكون ابن وطنه.

وهذا النمط من الولاءات والانتماءات هو الذي يجعل النسق السياسي في الوطن العربي نسقاً انقسامياً، وإن كانت هذه الانقسامية تقوى وتضعف أمام قوة الانتماء الفكري والسياسي أو ضعفه، ووجود عصبيات أقوى وأكثر فاعلية من عصبية قربى الدم.‏

والملاحظ أن الأنظمة السياسية العربية في أغلبها إما قائمة على أساس الحزب الواحد، أو العائلة الواحدة، او أبناء جهة واحدة. ومن هؤلاء وهؤلاء تتكون الأجهزة القيادية والرئاسية.

وعلى رأس هذه الأجهزة مجموعة من الأشخاص الذين يمتون إلى تلك النظم السياسية بصلات قربى كثيرة. وهؤلاء ومن خلال مواقعهم في السلطة يضفون عليها طابعاً اجتماعياً وسياسياً أهلياً وخاصة في إطار توزع السلطات.

2- السلطة هي القدرة أو القوة التي تمكن الأجهزة من السيطرة على الناس، والحصول على طاعتهم وتضع سياستها موضع التنفيذ من أجل تحقيق أمنها، والتدخل في حرية المجتمع وتوجيه جهوده بما يخدم مصالح القوى الاجتماعية المتمكنة من السلطة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال