أحكام فعلي التعجب.. حذفُ المتعجب منه. عدم التصرف في الجملة التعجّبية بتقديمٍ ولا تأخيرٍ ولا فصل. لا يكون المتعجب منه إلا معرفة أو نكرة مختصة

أحكام فعلي التعجب:


- تعريف وتنكير المتعجب منه:

لا يكون المُتعجَّبُ منه (منصوباً كان، أو مجروراً بالباءِ الزائدة) إلا معرفةً أو نكِرةً مُختصَّة، لتحصُل الفائدةُ المطلوبة، وهي التعجب من حال شخصٍ مخصوص فلا يُقالُ: "ما أحسنَ رجلاً!"، ولا أحسنْ بقائمٍ"، لعدم الفائدة. فإن قلت: "ما أحن رجلاً يفعلُ الخير!" و "أحسنْ بقائمٍ بالواجب!" جاز، لحصول الفائدة.

- حذفُ المُتعجَّب منه:

يجوز حذفُ المُتعجَّب منه - وهو المنصوب بعد "ما أفعلَ". والمجرورُ بالباءِ بعد "أفعلْ" - إن كان الكلام واضحاً بدونه، فالأول كقوله:
جزى اللهُ عني، والجزاءُ بفضله، -- بِيعةَ خَيراً، ما أَعفَّ وأَكْرما
أي: "ما أعفَّهم! وما أكرمهم!" والثاني كقوله تعالى: "أسْمِعْ بهم! وأبصِرْ بِهمْ!، وقول الشاعر:
أعزِزْ بنا وأَكْفِ! إن دُعِينا + يوماً إِلى نُصْرةِ مَنْ يَلِينا*
أي: وأكفِ بنا! والمعنى: ما أعزَّنا! وما أكفانا لهذاالأمر!.
ويُشترَطُ في حذفه بعد "أفعِلْ" أن يكون معطوفاً على أفعِلْ آخرَ مذكورٍ معه مِثلُ ذلك المحذوف، كما رأيتَ في الآية الكريمة والبيت. ولا يجوز حذفه إن لم يكن كذلك. وشذَّ قول الشاعر:
فَذَلك، إِن يَلْقَ الْمَنِيَّةَ يَلْقَها + حَمِيداً، وإِنْ يَسْتَغْنِ يوماً فَأَجْدِر
أي: فأجدِرْ به أَن يستغنيَ!

- بناء فعلي التعجب:

إذا بُنيَ "فِعْلا التعجب" من مُعتل العين، وجب تصحيح عينهما، فلا يجوز إعلالها، نحو: ما أطوَلهُ! وأطوِلْ به!".
وكذلك يجبُ فَكُّ الإدغام في "أَفعِلْ"، نحو: أَعزِزْ علينا بأن تفارقَنا!" و "أشدِدْ بسوادِ عينيه!".

- التصرف في الجملة التعجّبية:

لا يُتصرَّفُ في الجملة التعجّبية بتقديمٍ ولا تأخيرٍ ولا فصل، إلا الفصلَ بين فعلِ التعجُّبِ والمتعجَّبِ منه بالظَّرف، أَو المجرور بحرف الجرّ (بشرط أَن يتعلقا بفعل التعجب)، أَو النداء، فالفصل بها جائز. فالفصلُ بالظرف نحو أَن تقول: "ما أَجملَ ليلةَ التَّمَ البدرَ!"
ونحو قول الشاعر:
أُقيمُ بِدارِ الحَزْمِ، ما دامَ حَزْمُها + وأَحرِ إِذا حالتْ، بأَن أَتحوَّلا
والفصلُ بالجارِّ والمجرور نحو: "أَحسنْ بالرجلِ أَن يصدُقَ! وما أَقبح أَن يَكذِبَ!"، ومنه: وأحببْ إلينا أن يكونَ المُقدِّما"، وقول الآخر:
خَلِيلَيَّ، ما أَحْرَى بِذِي اللبِّ أَن يُرى -- صَبوراً، ولكنْ لا سَبِيلَ إِلى الصَّبْر
وقولُ عَمْرِو بن مَعد يكرِب نَثْراً: للهِ دَرُّ بني سُلَيم! ما أحسنَ في الهيجاء لِقاءَها! وأَكرمَ في اللَّزبات عَطاءها! وأثبت في المَكرمات بَقاءها!".
والفصلُ بالنداءِ كقولِ أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلامُ): "أعزِزْ عليَّ، أبا اليقطَانِ، أن أراك صريعاً مُجدَّلا!".

- تعلق المجرور الفاعل بِفعلَي التعجب:

إن تَعلَّق بِفعلَي التعجب مجرورٌ هو فاعلٌ في المعنى، جُر بإلى، نحو: "ما أحبَّ زُهيراً إلى أبيه!" ونحو: "ما أبغضَ الخائنَ إليَّ". ولا يكونُ هذا إلا إذا دَلَّ فعلُ التعجب على حُبٍّ أو بُغضٍ، كما رأيتَ.
فإن كان في المعنى مفعولا، وكان فعلُ التعجب في الأصل مُتعدياً بنفسه، غير دالٍّ على عِلْمٍ أو جهلٍ، جُرَّ بالَّلام نحو: "ما أحب زُهَيراً لأبيه! وما أبغضَني للخائن! وما أكسبَني للخير!".
فإن دلَّ على علمٍ أو جهلٍ جرَرْتُ المفعول بالباءِ،: نحو: "ما أعرفني بالحقِّ! وما أجهلَهُ بالصدق! وما أبصَرك بمواقع الصواب! وما أعلمَهُ بطرُقِ السّداد!".
وإن كان فعلُ التعجب في الأصل مُتعدِّياً بحرف جر، جرَرتَ مفعولهُ بما كان يَتعدّى به من حرفٍ، نحو: "ما أغضبَني على الخائن! وما ارضاني عن الأمين! وما أمسكني بالصدق، وما أكثرَ إذعاني للحقّ".

- تصغيرُ (ما أفعل):

وقد وَرَدَ تصغيرُ "ما أفعلُ" شُذوذاً، وهو فعلٌ لا يُصغّرُ، لأنَّ التصغير من خصائص الأسماءِ. غير أنه لما أشبهَ اسم التفضيل وزناً وأَصلا ودلالةً على المبالغة، سهلَ عليهم ذلك، كقوله:
يا ما أَمَيْلَحَ غِزْلاناً، شَدَنَّ، لنا + مِنْ هؤُليّائِكُنَّ الضّالِ والسَّمُرِ
قالوا: "ولم يُسْمعُ إلا في ما أملحَ، وما أحسن". غير أنه يجوز القياسُ على هذا الشُّذوذ، إِذا أريدَ به مع التعجب التَّحبُّبُ كما رأيتَ في البيت. وعليه يجوز أن تقول: ما أحَيلاهُ! وما أُدَيناهُ إِلى قلبي! وما أَطَيرِف حديثهُ! وما أُظيرِفَ مجلسه!".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال