القمم العربية ومعالجة المشاكل الاقتصادية.. إقامة نظام اقتصادي عربي جديد يتسم بالتكامل المحقق للتنمية الشاملة

مسيرة القمم العربية التي طالت واستطالت أكثر من أربعة عقود، تعج بالقرارات غير المنفذة التي ليست سوى مجرد بيانات إنشائية ووثائق مهملة، تثبت أن العمل العربي المشترك لم يكلل بالنجاح المطلوب، تراجع وضعف أمام الصعاب والعراقيل على امتداد السنوات الماضية.

وعلى رغم صحة هذه النتيجة، أود التذكير من خلال قلب دفاتر القمم العربية المتعاقبة، أن ثمة إنجازات وبصمات هامة لها على حركة التعاون الاقتصادي العربي، وإن كانت محدودة.

وللخرطوم حصة مهمة منها، فقد عقد فيها مؤتمر القمة العربي الرابع في آب (أغسطس) 1967، أي بعد مرور شهرين فقط على انتهاء حرب الأيام الستة، وكان من بين قراراته منح معونة مالية سنوية مقدارها 135 مليون جنيه إسترليني إلى البلدان العربية التي تعرضت للعدوان الأسرائيلي عام 1967، لتمكينها من الصمود الاقتصادي لحين إزالة آثار العدوان، وأن يتحمل هذا المبلغ سنوياً السعودية (50 مليون جنيه إسترليني) والكويت (55 مليوناً) وليبيا (30 مليوناً).

وخصص لمصر سنوياً من هذه المعونة 95 مليون جنيه إسترليني، والأردن 40 مليوناً، ولم تكن هذه المعونة مرتبطة بتمويل أية مشاريع محددة، وإنما كانت تستخدم كدعم مباشر في ميزانية كل من مصر والأردن.

ومن الإنجازات الأخرى لمؤتمر قمة الخرطوم الرابع أيضاً، موافقته على إنشاء صندوق تنمية سمي «الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي»، بناءً على توصية رفعت إليه من مؤتمر وزراء الاقتصاد والنفط العرب المعقود في بغداد في أغسطس (آب) 1967.

وقد اتخذها هذا المؤتمر الوزاري على أساس مشروع تقدمت به دولة الكويت بهدف دعم الجهود الإنمائية للدول العربية من طريق مؤسسة مالية عربية مشتركة تتخصص في تمويل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية، وتعمل على تشجيع الاستثمارات المشتركة المعززة للتعاون والتكامل الاقتصادي العربي.

ولا يخفي ما يمثله الصندوق العربي في وقتنا المعاصر من أهمية كبرى للتنمية العربية. فقد مضى على نشاطه نحوثلث قرن استهله في العام 1974 بمنح عدد كبير من الدول العربية قروضاً استهدفت دعم برامجها التنموية واستكمال إنشاء بنيتها الأساسية، وقد بلغ المجموع التراكمي لقروضه منذ بدء عملياته وحتى نهاية عام 2004، نحو4769.7 مليون دينار كويتي.

ولكي نضع مزيداً من النقاط على الحروف حول بعض الإنجازات الاقتصادية للقمم العربية الأخرى، يجدر التأكيد على أن العون المالي من الدول العربية النفطية لدعم الدول العربية المتضررة من حرب 1967، تزايد خلال سبعينات القرن الماضي، تنفيذاً لقرارات القمم العربية المتتالية، خصوصاً مؤتمري الرباط عام 1970 و1974.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، بلغ مجموع الدعم المالي المقدم لمصر بموجب مؤتمر قمة الخرطوم الرابعة، وهذان المؤتمران خلال الفترة 1967 – 1976 نحو1.7 بليون جنيه مصري، قدمت السعودية منها 778.1 مليون جنيه، والكويت 572.5 مليون، وليبيا 185.3 مليون، والإمارات 190 مليوناً، وغطت المبالغ المتبقية قطر والعراق والبحرين والجزائر.

ومن الانجازات المهمة أيضا ما تقــرر فـــي مؤتمـــر القمـــة العربية التاسع في بغداد في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1978، بعد توقيع اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، من تقديم عون مالي سنوي قيمتـــه 3.5 بليون دولار، لمدة عشر سنوات لكل من سوريــة (1850  مليــون دولار) والأردن (1250 مليوناً) ومنظمة التحرير الفلسطينية (150 مليوناً) ولدعم صمود سكان الأرض المحتلة (150 مليوناً) ولإعادة إعمار لبنان (100 مليوناً). واتفق على أن تشارك السعودية في هذا العون (1000 مليون دولار) والكويت (550 مليون) وليبيا (550 مليون) والعراق (520 مليوناً) والإمارات (400 مليون) والجزائر (250 مليوناً) وقطر (230 مليون).

كذلك تقرر في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في تونس في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1979، تخصيص دعم لإعمار لبنان قيمته 2 بليون دولار لمدة خمس سنوات.

يضاف إلى كل هذا ما قررته القمم العربية المتتالية من تقديم عون مالي لدعم صمود الشعب الفلسطيني، في أعقاب اندلاع الانتفاضة الأولى والثانية، خصوصاً قمة بيروت 2002، التي أقرت جملة من الأسس والآليات اللازمة لدعم موازنة السلطة الفلسطينية.

ويلاحظ من قرارات مؤتمر قمة الخرطوم الأخير، دعوة الدول العربية للاستمرار في دعم موازنة السلطة الفلسطينية لفترة لاحقة ابتداءً من 1/4/2006.

وفي مقابل هذه الإنجازات، لا بد من التأكيد على وجود إخفاقات كثيرة للقمم العربية في المجال الاقتصادي. ولعل من أبرز الأمثلة التي في هذا السياق، ما يتعلق بعدم تطبيق قرارات مؤتمر قمة عمان الاقتصادية الذي عقد في عام 1980. وقد قدمت له مجموعة من الدراسات المهمة، أعدت من قبل ثلة من الاقتصاديين العرب.

وكانت حصيلة هذا المؤتمر المصادقة على أربعــة مشاريــع أساسية، أولها وثيقة استراتيجية العمل العربي المشترك بأهدافها، وأولوياتها وبرامجها وآلياتها، وثانيها ميثاق العمل الاقتصادي القومي العربي، وثالثها عقد التنمية العربية المشترك، ورابعها إلاتفاق العربي الموحد للاستثمار.

أقر مؤتمر قمة عمان من خلال هذه المشاريع، مبادئ بالغـة الأهمية، دخلت في الأدبيات الاقتصادية العربية للمرة الأولى، تكفل عند تنفيذها السليم تصحيح مسيرة العمل العربي المشترك، وخلق المناخ الملائم لتطويرها، وإبعادها عن الهزات والخلافات السياسية الطارئة، وإقامة نظام اقتصادي عربي جديد يتسم بالتكامل المحقق للتنمية الشاملة.

ولكن، للأسف، فرّغت قرارات هذا المؤتمر من مضمونها، وأضيفت إلى ملف القرارات غير المنفذة التي تزدان بها دهاليز الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لأسباب كثيرة لا يتسع المجال هنا لبحثها، لكنها في مجملها تعود إلى عدم التزام الدول العربية تنفيذ مثل هذه القرارات، والاهتمام بمصالحها القطرية الضيقة بعيداً من مسار العمل الاقتصادي العربي المشترك.

ومع أن من السابق لأوانه الركون إلى الظن بأن قرارات مؤتمر قمة الخرطوم الأخير لن تنفذ وتفرغ من مضمونها، وتكون كغيرها من القرارات مجرد وثائق تضاف إلى ما قبلها من أكداس، يحدوني الأمل إلى أن تلاقي مصير بعض قرارات مؤتمر قمة الخرطوم الرابع من الاهتمام والتنفيذ، علها ترجع للمواطن العربي شيئاً من الثقة بالقمم العربية، لأنه يعاني إحباطاً كبيراً منها أوصلته إليه سلسلة طويلة من خيبات السياسة العربية المتواصلة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال