قسم مونتيسكيوالسلطة على ثلاث سلطات مستقلة وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية ثم جاء بعده الفيلسوف الإنجليزي (إدموند بروك) وأعلن الاعتراف بنفوذ الصحافة وسماها السلطة الرابعة حيث قال: «ثلاث سلطات تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، ولكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهم منكم جميعا».
وتتقدم أهمية السلطة الرابعة على السلطات الثلاث لسبب واضح وهوأن السلطة الرابعة تمثل الشعب وتمارس دورها باستقلال تام، ولقد مارس البشر حركة الدفاع عن الحرية منذ القرن السابع عشر، حين صدرت كراسة ميلتون التي اعتبرت من الأعمدة الرئيسية التي قامت عليها حرية الصحافة والتي انتشر بفضلها مفهوم «السوق المفتوحة للآراء» التي تقوم على مبدأ إتاحة مناخ التجادل بين الناس حتى تسود الحجج الجديرة بالسيادة.
ثم كتب المفكر (ستيوارت ميل) عن تطبيق المبادئ العامة لحرية التعبير قائلاً: إذا كان البشر أجمعون متفقين على رأي معين وظهر بينهم شخص واحد له رأي مغاير فليس للبشر مبرر لإسكاته تماماً كما ليس من حق هذا الشخص الواحد إسكات البشر.
والآن وبعد ما يقارب أربعة آلاف سنة من المناضلة للانتصار لحرية الرأي تعلن منظمة «مراسلون بلا حدود» المتخصصة في شؤون الحريات الصحفية عالمياً، أن ثلث سكان العالم مازالوا يعيشون في بلدان تنعدم فيها حرية الصحافة والإعلام بشكل عام والغالبية تعيش في دول ليس فيها نظام ديمقراطي أوحيث توجد عيوب خطيرة في العملية الديمقراطية.
وحرية الصحافة تعتبر مفهوماً شديد الإشكالية لغالبية أنظمة الحكم غير الديمقراطية، لاسيما وأن إحكام السيطرة على المعلومات وصانعيها ومروجيها في العصر الحديث يعتبر، لمعظم الحكومات، من أهم الأمور.
لا يجوز في الديمقراطية الحد من حرية التفكير لأن للإنسان كل الحق في تحكيم عقله دون خوف أومحاسبة عشوائية من الحاكم أوالمجتمع.
المجتمع الديمقراطي مجتمع مفتوح تعرض فيه الأفكار وتناقش علناً من المواطنين تحت حمأية القانون.
هذه الشفافية وعدم رهبة الحاكم هي عناصر حيوية في مجال الديمقراطية. الإنسان المنفتح والمحأور والمدافع عن حقوقه لا يبقي لنفسه حصيلة أفكاره ومواقفه بل يود نقلها إلى الآخرين لاقتناعه بما يفكر فيه وبما يفعله.
إذا دخلت هذه العقلية الانفتاحية في مجالات السياسة والنشر والصحافة والفنون وغيرها، تكون هناك صحوة نوعية عند المواطنين يتجأوزون فيها حدود إمكانياتهم الضيقة لأيجاد حلول جماعية أفضل من الحلول "المنزلة" من دماغ السلطان مهما كان قادراً وقديراً، فحصيلة مجموعة الأفكار هائلة بالنسبة لأفكار فرد واحد.
أما السرية وعدم الحوار والانغلاق والصحافة الموجه أوما يسمى خبثاً الصحافة "الملتزمة" واتخاذ "القرارات" ضمن حدود ضيقة وأقل ما يمكن من النقاش تؤدي إلى سياسات هزيلة لا تخدم المواطنين بل مجموعة من الحكام ومن يدور حولهم، كما يحدث غالباً في الأنظمة الديكتاتورية.
أثناء الحوار تنمو الأفكار وتتطور بسبب دخولها في مجابهة سلمية ومقصودة مع أفكار مناقضة أوموازية أومتقاربة أومكملة.
هذه الحركة بين الفكرة وغيرها ترفع المحاورين إلى مستوى أرقى من حيث فهم الأمور المطروحة. لماذا كانت الصحافة والإعلام هم الأهم والأكبر تأثيراً.
إن ما يصل إلى مراكز المعالجة في الدماغ هوفقط الذي تجري معالجته. هذه الخاصية هي التي تتحكم في استجاباتنا وتصرفاتنا الإرادية الواعية كافة، فبناءً على ما يصل إلى هذه المراكز وتجري معالجته تنتج الاستجابات والتصرفات، وتسجل في الذاكرة النتائج أو يتم تعلم استجابات وتصرفات معينة يتم اعتمادها في التصرفات اللاحقة. فما يتم تعلمه يصبح كبرامج تشارك في المعالجات الفكرية ويفرض تأثيراته.
نحن الآن في وضع أصبح الإعلام بأشكاله كافة هو الذي يدخل أكبر كمية من الأفكار التي تجري معالجتها في أدمغتنا، وهذا يحدد غالبية استجاباتنا وتصرفاتنا.
فالآن يمكن توجيه استجابات وتصرفات غالبية الناس إلى الوجهة التي نريد عن طريق الإعلام، إن كان شراء منتجات أوخدمات، أو كان دفع لتصرفات معينة اجتماعية أم سياسية أم دينية أم عسكرية أم اقتصادية.
وهذا ليس بجديد فقد كان يحدث دوماً، فنشر الأفكار والعقائد والتحريض على تصرفات معينة هوالموجه الأكبر لغالبية تصرفاتنا.
لذلك كانت السلطة الرابعة أو الإعلام هي أقوى السلطات وأكثرها تأثيراً في غالبية تصرفاتنا.
وهذه السلطة يملكها كل إنسان ويمكنه استخدامها، وبوساطة منح الجميع الحرية في إبداء أفكارهم وآرائهم نفتح المجال لتفاعل أكبر كمية من الأفكار والخيارات، وبنتيجة تفاعلها مع الظروف والأوضاع تبقى الأفكار المتكيفة أكثر مع هذه الأوضاع.
ويتحقق بذلك توازن واستقرار المجتمع بأفراده كافة. ولكن هذا لا يتم الوصول إليه بشكل كامل، فتظل التطورات والحركة دوماً مستمرة والتكيفات تلاحقها ويحدث نتيجةً لذلك التقدم والارتقاء لبنيات المجتمع والأفراد.
كيف يتم تشكيل نظام حكم يعتمد السلطات الأربع التي تعمل بشكل صحيح؟
إن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم بشكل فوري فهذا مستحيل، فيجب أن يتم ذلك بالتدريج وهذا يعرفه الجميع، فالامتثال للأنظمة والقوانين لا يتم بسهولة فهي تتشكل كما تتشكل الأخلاق نتيجة الممارسات وخلال زمن، فتعلم ذلك يلزمه إجراءات وممارسات مناسبة ويلزمه فترة زمنية مناسبة وهي ليست قصيرة.
والشيء الأساسي والمهم هوحكم المؤسسات بالاعتماد على الدستور وليس حكم الأفراد، وتطبيق القوانين على الجميع وبنزاهة.
التسميات
تنمية اقتصادية