المساعدات الخارجية وأثرها في القرار الاقتصادي العربي.. أداة للسيطرة تستخدم للإبقاء على العلاقات الاجتماعية والسياسية غير المتساوية بين دول النظام الاقتصادي الرأسمالي

إن السيادة الوطنية لم تعد مفهوماً سياسياً فحسب، بل انصرف مضمونه إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأصبحت هذه الأبعاد مجسداً عملياً لمفهوم السيادة، وبما أن عملية التنمية هي عملية إقتصادية وإجتماعية وثقافية فإنه يحق لنا أن نسمي السيادة (سيادة اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية) أي أن سيادة الدولة السياسية تمر عبر الاتجاهات المذكورة بلا شك.

ولا بد أيضاً من التعريف بأن السيادة عموماً عرضة للاختراق والانتهاك، وهذا ما ينطبق على أكثر الدول التي لا تمتلك مقومات مادية قوية ومنها الجانب الاقتصادي، وما يمكن قوله هنا هو أن السيادة الاقتصادية أو التنموية تعني قدرة الدولة على القيام بالتنمية بنفسها أي باختياراتها الحرة، ولكن التخلف الموروث أعجزها عن ذلك وكان المفترض أن يسد ذلك بما تقدمه الدول الغنية والوكالات المالية الدولية من مساعدات، وقدمت فعلاً مساعدات ولكنها أخفقت في تقديم التنمية التي تحتاج إليها كل دولة على حدة، والتنميات التي تحتاج إليها الدول النامية بصورة عامة أو مشتركة.

إن أغلب الدول الفقيرة لا تستطيع أن تبني تجاربها الاقتصادية دون مساعدات خارجية، وهذا يحتم واجبات على الدول الغنية كجزء من المجتمع الدولي.

وقد عالج القانون الدولي مسألة المساعدات وفقاً لما جاء في مقررات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية في العام 1964 حيث طلب التزام تقديم المساعدات مع مراعاة مبادئ معينة تلزم مراعاتها ومضمونها ألاّ يجوز تقديم المساعدات بموجب شروط تؤدي إلى خرق مبدأ المساواة في السيادة بين الدول ومبدأ السيادة الدائمة على المصادر الطبيعية.

ووفقاً للنظرية الواقعية لا تقدم الحكومات المساعدات الاّ إذا ضمنت تحقيق أهدافاً سياسية أنانية معينة.
وتزيد بعض النظريات السياسية أن المساعدات الخارجية أداة للسيطرة تستخدم للإبقاء على العلاقات الاجتماعية والسياسية غير المتساوية بين دول النظام الاقتصادي الرأسمالي.
وسنبحث تأثيرات هذه المساعدات الخارجية من خلال دوافع منحها:

وتقسم هذه الدوافع على قسمين:
1- الدوافع السياسية:
تنطلق هذه الدوافع عادة من المصالح الستراتيجية والاهتمامات السياسية الخارجية للدول المانحة أو من أغراضها الأيدلوجية التي هي أغراض سياسية أيضاً.

وقد لخصت أهداف المساعدات الممنوحة لأسباب سياسية بهدفين:
- تشجيع أنظمة الحكم على أن تبدأ أو تواصل التوفيق بين سياساتها الخارجية وحاجات الدول المانحة ورغباتها.
- دعم أنظمة الحكم التي تعد صديقة وإبقائها في السلطة.

2- الدوافع الاقتصادية:
للأقطار النامية أهمية اقتصادية أساسية للدول المتطورة من حيث كونها مصادر للأيدي العاملة والمواد الأولية وأسواقاً لتصريف السلع والاستثمارات.

وتقدم الدول مساعداتها لأغراض أقتصادية مختلفة منها:
- ضمان أسعار سوق أعلى.
 - ضمان مبيعات للمزارعين في الدول المانحة.
- تغلغل الشركات في أسواق الدول المتلقية للمساعدات.

وتفرض الدول المانحة التزامات على الدول المتلقية منها أن تشتري جزءاً كبيراً من استيراداتها من المواد الغذائية من الدول المانحة وبشروط تجارية، وتحاول الدول المانحة بطرائق مختلفة أن تخلق أوضاعاً تكون فيها الدول المتلقية معتمدة على السلع التي تبتاعها من تلك الدول اعتماداً كبيراً وبذلك تخلق تبعية تجارية.

من ذلك نرى أن كثيراً من الدول المتلقية قد فقدت حريتها ليس بسبب العلاقة الثنائية فحسب، بل من خلال العلاقات المتعددة الأطراف أي التي تجسدها وكالات دولية.

فمثلاً ينفذ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لإعادة الإعمار والتنمية برامج للتكيف أو التصحيح الهيكلي.
والصندوق الدولي هو الذي يصمم هذه البرامج ويقدم الاستشارات والنصائح بشأنها.
أما البنك الدولي فيقدم القروض لتنفيذها.

ولكن هذه البرامج تفرض عدداً من الشروط على الدول المتلقية أهمها وأخطرها:
- تخفيض قيمة العملة الوطنية.
- تقليص الإنفاق العام.
- إنهاء الدعم الحكومي للمواد الغذائية.
- إزالة القيود على التجارة والاستثمار الأجنبيين.
- تحرير الأسعار.
- تقليص الأجور لاسيما في القطاع العام.
- زيادة الضرائب.
- وإجراء تغييرات في أسعار الفائدة.

وهكذا تصبح هاتان الوكالتان الصانع الحقيقي لأهم القرارات الاقتصادية الداخلية في حين تفقد الحكومات سيطرتها عليها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال