العلاقــة بين السياسة والتنمية الاقتصادية.. الترابط الجذري بين الإصلاح والتنمية في القطاعين السياسي والاقتصادي

العلاقــة بين السياسة والتنمية الاقتصادية
The relationship between  politics and economic development

إن هناك ترابطاً جذرياً بين الإصلاح والتنمية في القطاعين السياسي والاقتصادي من خلال ما يأتي:

1- إن فلسفة النظام الاقتصادي للدولة تتبع النظام السياسي وترتبط به، فإذا كان النظام السياسي في طريق الاحتكار الشمولي فإن النظام الاقتصادي سيقوم  بإلغاء الملكية الفردية وتعزيز سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وكذلك الموارد المختلفة.

2- في الأنظمة السياسية الديمقراطية تكون السلطة الاقتصادية موزعة على التخصصية واحترام حقوق الملكية الفردية.

3- غالبية الدساتير العربية والتشريعات تشير بوضوح إلى أن الشعب هو صاحب الملكية، وأنه هو الذي يقود التنمية في الوطن العربي، إلاّ أن واقع الحال يشير إلى بصمات الأنظمة الشمولية ما زالت قائمةً وبلا حدود وبإمكان السلطة إلغاء أي تشريع أو قانون يتعارض مع فلسفتها السياسية، أو تعطيله، بغض النظر عما نصت عليه الدساتير.

4- إن الواقع السياسي يشير إلى ضعف التجاوب مع تطلعات الناس والاستجابة للغايات والأهداف التي ينشدونها، والمتمثلة باستكمال التحرر السياسي، وامتلاك السيادة والاقتراب نحو الوحدة، التي تمثل معركة المستقبل العربي على اختلاف مستوياتها وتسمياتها، كما لا يستجيب لروح العصر وآمال وآلام الإنسان العربي، والدور الذي يجب أن يشغله في وطنه والمكانة التي يحتلها داخل الحياة السياسية.‏

5- إن كثيراً مما يعدُّه السياسيون في السلطة أيدلوجيات اقتصادية أو نظريات تنموية تعبر بالضرورة عن المذهب السياسي الذي تنطلق منه هذه النظريات، غالباً ما تكون أقنعة تختفي خلفها فلسفة الفكر السياسي الذي قد يمثل التبعية في القرار، أو تختفي وراءها المصالح الشخصية، هذا من شأنه زيادة حالة التخلف الاقتصادي، أو عدم مواكبة التطور العلمي والتكنولوجي، وخاصة في العلوم التي تتضمن نهجاً للتطور العلمي الحديث.

6- إن وصف بعض الدول أو الشعوب بـ (الإرهاب) يقع ضمن المخترعات الحديثة التي يراد بها السيطرة المباشرة على موارد البلدان الاقتصادية، والسيطرة بالتالي على مقدرات الشعوب، وضمان تبعية عمياء لقرارات الاستفراد السياسي والاقتصادي، وهو يمثل حلقة واضحة من حلقات الربط بين السياسة والاقتصاد.

7- استنساخ تجارب سابقة تتبع أيدلوجيات وفلسفات سياسية بعيدة عن الوطن العربي، أو اتباع الوصايا اللبرالية الجاهزة من خلال النظريات الوارد ذكرها في الفصل الثاني ومنها (نظريات التبعية الكاذبة) يساعد على إعطاء الدول النامية نصائح مغلوطة وغير مناسبة، إذ يقدم هؤلاء الخبراء هياكل اقتصادية رائعة، ونماذج اقتصاد قياسي معقدة في التنمية غالباً ما تقود إلى سياسات غير سليمة وغير مناسبة، وهذا ما يتحمل نتائجه السلطة السياسية وليس المفكر الاقتصادي.

8- بعد الثورة الصناعية استفادت الدول الأوربية من ظهور مفهوم جديد وهو الوحدة العرقية والثقافية والدينية المكونة للدول، وعدَّته أساساً لقيام أنظمة سياسية واقتصادية جديدة واعتبار نمو الناتج الإجمالي القومي مؤشراً لتقدم شعوبها، في الوقت نفسه الذي تتوفر فيه هذه العناصر في البلدان العربية وتزيد عنها وفرة الموارد الطبيعية والبشرية، إلاّ إنها لم تستفد من هذه الفقرة المهمة التي توفر مقومات اقتصادية تكفل لها السيادة والاكتفاء الذاتي، بعد القبول بواقع التقسيم إلى دويلات تفتقر إلى السوق القوميــــة.

9- إن بروز القطب السياسي الواحد أوقع الدول العربية تحت وطأة المشاكل السياسية التي زرعها في كل بلد عربي، ومن ثم تبعها الوضع الاقتصادي المتفرد لكل بلد مما عزز سهولة السيطرة الاستعمارية على اقتصاديات البلدان العربية وزاد ذلك من اعتماد أغلب الدول العربية على تصدير المواد الأولية والاعتماد على الصناعات الأولية والمتوسطة مع التهافت على الحصول على المساعدات الدولية مما زاد من ديونها (أنظر الفصل الأول/ الباب الأول) لتجد نفسها تحت وطأة البنوك الدولية ومنظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي التي تتبنى شروطاً قاسية، لإبقاء الدول العربية تابعة لها في تنفيذ البرامج التي ترسمها لها هذه المنظمات، كما ورد تفصيله في الباب الأول/ الفصل الثاني.

10- إنَّ مما زاد المشاكل الاقتصادية في البلدان العربية هو أن السياسي يمتلك القرار النهائي فيما يفكر به الاقتصادي، ولما كان أصحاب القرار هؤلاء هم الذين يقررون قيمة النقد وأسعار المواد واستغلال الطاقة ومعالجة مشاكل البطالة والتضخم، وهم يجهلون نتائج قراراتهم، فإن أصحاب رؤوس الأموال لا يفضلون الاستثمار في بلدانهم، ويفضلون الاستثمار الخارجي الثابت، أو الاستثمار في الأسهم أو المشاريع السريعة الانتهاء، خوفاً من نتائج تلك الأعمال.

11- لابد من التنبيه إلى خطورة استمرار التباعد السياسي والاقتصادي وتراجع العمل العربي الاقتصادي المشترك بين البلدان العربية، أياً كانت الخلفيات في ذلك، إذ تظهر بعض المؤشرات، الواردة في الفصل الأول/ الباب الأول، أن حجم التجارة العربية البينية لا يزيد عن - 7 8% من إجمالي حجم التجارة الخارجية العربية، وبالمقارنة فإن التجارة البينية للمجموعة الأوربية تمثل 70% من إجمالي التجارة الخارجية للمجموعة، كما تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاديات العربية أكثر اندماجاً مع اقتصاديات العالم الخارجي، ويتمثل ذلك من خلال المبادلات التجارية مع وجود وسائل اتصال ونقل أفضل بين البلدان العربية و الدول الأجنبية مما هو متوفر بين البلدان العربية ذاتها.

12- أجزاء ومكونات القرارات السياسية وهي حاصل جمع الظروف الآنية المحلية والدولية التي يتخذها السياسي نتيجة مداخلات سياسية معينة، قد لا ترتبط مباشرة بالمصالح الاقتصادية للبلد وفي أحيان كثيرة تتعارض مع تلك المصالح التي ترتبط بخطط قريبة أو بعيدة المدى مما تؤثر سلباً في تطبيق خطط التنمية.

13- إن اعتماد السياسيين لتنفيذ سياسة التعاون المشترك مع الدول الأخرى لأسباب غير اقتصادية، وتلقي الخبرات الأجنبية للسبب المذكور دون إطار سياسي واقتصادي محدد ضمن معايير وثوابت مصلحة البلد يسبب بالتأكيد تداخلاً عرضياً مع ما يفكر به الاقتصاديون.

14- إن النظرة السياسية لزيادة السكان تعني قوة الدولة وإمكان استغلال تلك الموارد البشرية في الدفاع عن البلد عند الحاجة، بينما ينظر الاقتصاديون إلى أن الزيادة السكانية تُعـدّ من المشاكل المباشرة في عملية التنمية الاقتصادية، وما تسببه من توفير مستلزمات العيش والعمل والتربية والتعليم والسكن والخدمات، خاصة في البلدان العربية، أما إذا كانت تلك الزيادة محسوبة على أساس علمي في زيادة الموارد البشرية الفنية والعلمية الفعالة بحيث تكون نسبة زيادة التنمية الاقتصادية وبالتالي زيادة الدخل الحقيقي زيادة سريعة وتراكمية تفوق نسبة الزيادة السكانية، فإنها حينذاك تكون منسجمة مع التوجه السياسي مع اختلاف الأسباب.

15- لقد أهتمت الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية اهتماماً كبيراً بموضوع النفط العربي، الذي أصبح ركناً أساسياً من أركان التخطيط الاستراتيجي لسياسات هذه الدول وأعطى مركزاً مهماً في موضوع التنافس فيما بينها، وأصبح من يمتلك القدرة على السيطرة عليه فإنه يمتلك رجحان كفته في الصراع الدولي، وبما أن النفط العربي هو المورد الأكثر أهمية بحكم ضخامة الاحتياطي وانخفاض التكاليف الاستخراجية  فضلاً عن الجودة لخلوه من الشوائب، أصبح ميدان الصراع والتنافس بين هذه الدول، كما أصبح ميداناً خصباً للصراع والتداخل السياسي والاقتصادي وذلك من خلال تضارب المصالح بين المستغِل والمُستغَل.

16- يبقى أن نحدد أن السلطة السياسية هي المسؤولة عن نتائج المؤشرات الاقتصادية التي أوردنا أمثلة منها في الفصل الأول من الباب الأول وعلى السلطة أن تقرأ نتائج تلك النشاطات بمساعدة الخبراء لتكون على بينة من موقفها الاقتصادي وما يحتاج من قرارات سياسية وأقتصادية أو تشريعات لمعالجة كل إنحراف سلبي وتقوية المؤشرات الأيجابية.

من ذلك نرى ضرورة أن يسير الأصلاح السياسي مع الإصلاح الاقتصادي بذات الوقت بحيث تكون مراحل بناء الديمقراطية متلازمة مع مراحل بناء الاقتصاد الحر عندها ستكون الصورة واضحة المعالم والأبتعاد عن كل ما يعيق العملية التنموية في الاقتصاد والسياسة  ضمن خطط موحدة ترتكز إلى الأساس النظري الذي إنطلق منه البناء نحو الواقعية المطلوبة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال