الدول العربية ساحة معركة التجسس الاقتصادي.. تزايد موجات العولمة والتحرير الاقتصادي في العالم وجمع المعلومات عن الأسواق والشركات المنافسة

لم يسلم العرب من نصيبهم من هذه الحروب، فعلى مستوى العقوبات الاقتصادية تعرضت العديد من الدول العربية لها، من أهمها حالة العراق التي وقعت تحتها منذ 1990 وليبيا التي جمدت العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة، بينما ما تزال تفرض عليها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، لغاية إعداد هذا البحث في بداية العام 2008، فضلا عن السودان والسلطة الفلسطينية التي تخضع لعقوبات وحصار اقتصادي خانق من قبل إسرائيل.

وعلى مستوى التجسس الاقتصادي فهناك مؤشرات عديدة على تعرض الدول العربية لعمليات تجسس اقتصادي خاصة ما يقوم بها الموساد الأسرائيلي في الدول العربية، حيث تسبب الموساد في انهيار بعض البنوك والأسهم في دولة الإمارات،  بل إن دول الخليج وخاصة السعودية، والإمارات، والكويت، تتعرض بانتظام لهزات اقتصادية آخرها قضية رجل الأعمال الهندي (مدهاف باكل) الذي هرب من الإمارات خلال صيف 98 مخلفاً ديوناً تقارب قيمتها 272 مليون دولار، بالإضافة لإعلان الإمارات أوائل يوليو 2001 عن ضبط بريطانيين يتجسسون على شركات ومؤسسات إماراتية.

ولعل أبرز قضايا التجسس الاقتصادي قضية الجاسوس (عزام عزام) في مصر الذي قام بتجنيد المصري عماد إسماعيل؛ للحصول على معلومات عن الشركات والمصانع والعاملين بها، وجمع كل المعلومات عن المناطق العمرانية الجديدة والكثافة السكانية ونوعية المصانع وكيفية إدارتها.

سبق وأن وصفنا العالم في ظل العولمة أنه أصبح بمثابة القرية الصغيرة، وأصبح من المعتقد أن كل شيء معروف، وسمعنا من يقول إن الأقمار الصناعية لدى بعض الدول قادرة على التقاط أرقام لوحات السيارات في معظم دول العالم، و هناك من قال إن الأقمار الصناعية قادرة أن ترى أدق من ذلك.

ولكن بالرغم من كل هذا فإن الواقع المعاش أثبت أن هذا الاعتقاد خاطئ.. من الصحيح أن الأقمار الصناعية تصور أرقام لوحات السيارات وتصور الأشخاص، ولكنها لا تستطيع أن تتعرف أو تنقل ما يدور في عقول هؤلاء الأشخاص، وهو ما يعني أن عالم اليوم ما زال فيه أسرار يسعى البعض للحصول عليها.

وفي المجال الاقتصادي يمكن، من خلال المعلومات والتصميمات والرسومات المتعلقة بالمشروعات الاقتصادية، لإحدى الشركات العالمية اكتساح الأسواق في العالم محققة أرباحا هائلة، إذ تمكنت هذه الشركة من الحفاظ على سرية هذه المعلومات والتصميمات والرسومات.

أما إذا تسربت هذه الأسرار إلى الشركات المنافسة فإن سيطرة هذه الشركة على الأسواق العالمية تنهار، مما يعطي للمنافسين فرصة لتحقيق أرباح كبيرة.

ومن هذا المنطلق ولد التجسس الاقتصادي كمفهوم جديد في عالم الاقتصاد الدولي الراهن وفي عالم المخابرات، وأصبح يستخدم في مجال الصراع السياسي والاقتصادي بين الدول والشركات والأفراد، وقد تنوعت مجالات هذا التجسس لتغطي جميع مجالات النشاط الاقتصادي إنتاجي وتسويقي وتكنولوجي وغيرها من المجالات.

وقد كشفت حالات التجسس الاقتصادي بين الدول والشركات عن حقيقة هامة مفادها أن التجسس الاقتصادي قد انتشر مع تزايد موجات العولمة والتحرير الاقتصادي في العالم، مما دفع البعض إلى وصف العولمة الاقتصادية بأنها "عولمة التجسس الاقتصادي" وجعل البعض الآخر يصف التجسس الاقتصادي بأنه تجسس اقتصادي عالمي.

وقد أظهرت الدراسات في هذا المجال أنه مع زيادة التنافس بين الدول والشركات زادت نفقاتها على التجسس الاقتصادي وجمع المعلومات عن الأسواق والشركات المنافسة محليا ودوليا، وفي بعض الحالات وصل ما تنفقه الشركة الواحدة على عمليات التجسس الاقتصادي أكثر من مليار دولار سنوياً.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال