مفهوم السيميوطيقا التأويلية.. تفسير الكتابات الإبداعية والفلسفية والأسطورية والأعراض النفسية والتركيز على الرموز والعلامات التي تزخر بها الكتب المقدسة

إذا كانت سيميوطيقا كريماص (Greimas) مقاربة علمية موضوعية تبحث - نصيا وخطابيا- عن المعنى وآثار الدلالة، بالتركيز على شكل المضمون، وإقصاء المرجع والذات المبدعة، والالتجاء إلى علم الدلالة والتركيب والمنطق لاستكناه المعنى داخليا وبنيويا، عن طريق الاستعانة بالمربع السيميائي، مع اتباع المسارين: التوليدي والتحويلي في استحصال البنيات الدلالية العميقة، فإن مقاربة بول ريكور السيميوطيقية تتجاوز التفسير العلمي الداخلي، لتنتقل إلى الفهم  والتأويل الخارجي.

ويعني هذا أن بول ريكور يتعدى دلالة الشكل إلى البحث في الإحالة والمرجع، والانفتاح على الخارج.
بمعنى أنه يتجاوز الظاهر إلى الباطن، باستعمال مشرح التفسير والتأويل الهيرمينوطيقي، بربط النص الكلي بالذات، والإنسان، والتاريخ، والمقصدية، والمرجع الإحالي.

ومن المعروف أن السيميوطيقا التأويلية عند ريكور تهتم بتفسير الكتابات الإبداعية والفلسفية والأسطورية أولا، وتفسير الأعراض النفسية ثانيا، مع التركيز على الرموز والعلامات التي تزخر بها الكتب المقدسة ثالثا.

ويعني هذا أن نقد بول ريكور يتأرجح بين السيميوطيقا وعلم الدلالة والفلسفة والهيرمونوطيقا؛ والسبب في ذلك أن الرمز متعدد الدلالات والإيحاءات، ويتخذ عند  ريكور أبعادا فلسفية ورمزية ولاهوتية ووجودية.

هذا، وإذا تتبعنا  مفهوم التأويل تاريخيا،  فقد كان معروفا في التراث اليوناني عند أفلاطون وأرسطو بالخصوص، وكان معروفا أيضا في التراث العربي، وكان يمارس، في هذا التراث نظرية وتطبيقا، عبر آليات ثلاث هي: المنطق المسموع، والشرح، والترجمة.

وقد ارتبط التأويل - خصوصا على مستوى الممارسة - بشرح الكتب المقدسة (التوراة، والإنجيل، والقرآن)، وتأويل معانيها، وترجمة دلالاتها المتوارية.

ومن المعلوم، أن فعل التأويل قد ازدهر بشكل كبير في الثقافة العربية الإسلامية، كما يتجلى ذلك واضحا في تفسير القرآن والحديث، والاهتمام باللغة العربية نحوا ومعجما وبلاغة، وخوض الجدال الكلامي والفلسفي والصوفي.

وبصفة عامة، فقد كان التأويل جليا في كتابات  النحاة، ورواة اللغة، والمفسرين، وعلماء الكلام، والفلاسفة، والمتصوفة، ونقاد الأدب، والفقهاء، وعلماء أصول الفقه..

وهناك دراسات عربية حديثة اهتمت بالتأويل إما تنظيرا أو تطبيقا، مثل:
- العقاد في بحثه للغة الشاعرة بطريقة فينومينولوجية.
- مصطفى ناصف في كتابه (نظرية التأويل).
- عابد الجابري في كتابه (بنية العقل العربي).
- عبد الفتاح كليطوفي كتابه (الحكاية والتأويل).
- محمد مفتاح في كتابيه (مجهول البيان)، و(التلقي والتأويل).
- الطائع الحداوي في كتابه (سيميائية التأويل).
- رشيد الإدريسي في كتابه (سيمياء التأويل).
- نصر أبو زيد في كتبه (إشكالية القراءة وآليات التأويل)، و(الخطاب والتأويل)، و(فلسفة التأويل).
- شعيب حليفي في كتابه (مرايا التأويل).
- محمد المعادي في كتابه (حدود القراءة وحدود التأويل)،..

هذا، وقد ارتبط التأويل، في الثقافة الغربية المعاصرة، بالفيلولوجيا، والسيكولوجيا الفرويدية، واللسانيات، والنقد الأدبي، والفينومينولوجيا، والوجودية، والفلسفة الألمانية (شلاير ماخر) (Schleiermacher)، وفلهلم دلثي (Wilhelm Dilthey)- ومارتن هايدجر(Heidegger)- وجادامر (Hans George Gadamer)، وهيرش (Eric.D.Hirsh)..)، وماكس فيبر (Max Weber).

ومن هنا، إذا كانت الهيرمينوطيقا القديمة قد ارتبطت بتأويل الكتب المقدسة (التوارة، والإنجليل، والقرآن)، فإن الهيرمينوطيقا المعاصرة قد التصقت بالرومانسية الألمانية التصاقا شديدا، وأصبحت تهتم بالنصوص الفلسفية والأدبية والدينية على حد سواء فهما وتفسيرا.

وعليه، فالهيرمينوطيقا قراءة رمزية تأويلية، تعنى بتفسير المعاني الباطنية الخفية، مع تجاوز المقاربة النحوية والبلاغية التقليدية إلى  قراءة تأويلية استكشافية، والانتقال من الظاهر إلى الباطن، ومن السطح إلى العمق، والعمل على تأويل الدلالات الحرفية الظاهرية المباشرة بدلالات رمزية مجازية أو إيحائية.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال