السياق التاريخي للتفكيكية.. رد فعل على اللسانيات البنيوية، والسيميوطيقا، والتأويلية (الهيرمينوطيقا) وثورة مضادة على الميتافيزيقا الغربية ذات الطابع العقلي والمنطقي

ظهرت التفكيكية في 1960م رد فعل على البنيوية، وهيمنة اللغة، وتمركز العقل، وهيمنة اللسانيات على كل حقول المعرفة. وأصبحت التفكيكية ابتداء من سنة 1970م منهجية نقدية أدبية في الثقافة الأنجلوسوكسونية، وآلية للبلاغة والتأويل.

وقد ظهرت هذه المنهجية في سياق ثقافي خاص يتمثل في تقويض مقولات اللسانيات الغربية، وهدم المرتكزات البنيوية، في إطار ما يسمى بـ (ما بعد الحداثة) (Post Modernism)، وظهور جماعة تيل كيل، وجماعة ييل (Yale) الأمريكية.

كما تندرج فلسفة التفكيك في إطار حركة اليسار التي جاءت لتقوض دعائم المؤسسة الرأسمالية باسم الثورة، والهدم، والرفض، والشك، والتقويض.

ولاننسى أيضا أن فلسفة جاك ديردا فلسفة جيل الثورة والرفض والانتفاضة، والتمرد عن قوانين العقل والمنطق والمؤسسة السياسية.

ويعني هذا أن فلسفة جاك ديريدا فلسفة عدمية قائمة على الهدم والتقويض، وإزاحة الثوابت العقلية التي انبنت عليها الميتافيزيقا الغربية، تلك الميتافيزيقا القائمة على التمركز والبنية والعلامة والعقل.

ويعني هذا، أن التفكيكية أتت في سياق الفلسفات اللاعقلانية الثائرة على الوعي والعقل والنظام والانسجام والكلية.

وعلى أي حال، فإن أهم عامل قد ساهم في إفراز الفلسفة التفكيكية هو تنوع المناهج الفلسفية والأدبية، واختلاف تصوراتها النظرية، وتعدد خلفياتها الإبستمولوجية، مثل: البنيوية اللسانية، والسيميوطيقا، والهيرمونيطيقا، والأنتروبولوجيا، والفينومينولوجيا... وفي هذا، السياق، يقول عبد الله إبراهيم: "لقد وصفت الأرضية التي انبثق منها التفكيك، إذ هي مرحلة من مراحل جدل المنهجيات وصراعها.

وإذا كانت المنهجيات التقليدية، والمنهج البنيوي، تطمح إلى تقديم براهين متماسكة لحل الإشكال إن في عملية وصف الخطاب أو الاقتراب إلى معناه، فإن التفكيك يبذر الشك في مثل هذه البراهين، ويقوض أركانها، ويرسي على النقيض من ذلك دعائم الشك في كل شيء.

فليس ثمة يقين، ويكمن هدفه الأساسي في تصديع بنية الخطاب، مهما كان جنسه ونوعه، وتفحص ما تخفيه تلك البنية من شبكة دلالية.

فهو من هذه الناحية ثورة على الوصفية البنيوية.
فهو يذهب إلى أن لا ضابط قبل التفكيك، ولاضابط في ظله، فهو رحلة شاقة، بل مغامرة محفوفة بالمخاطر، ولا يتوفر له أدنى عامل من عوامل الأمان، في أودية الدلالة وشعابها، دون معرفة دون دليل، دون ضوابط واضحة، وكشوفاته ذاتية، فردية، لاغيرية، جماعية، حقلها الدلالة، وتعويم المدلول المقترن بنمط ما من القراءة. أي: استحضار المغيب، وهذا يقود إلى  تخصيب مستمر للمدلول بحسب تعدد قراءات الدال.

وبذا، فإن تنازع القراءات فيما بينها للخطاب، يفضي إلى متوالية لانهائية من المدلولات، لايمكن لأحدها أن يستأثر بالاهتمام الكلي دون الآخر، فنقطة بدء القراءة ووجود الدال واحدة، لكن لاخط لنهاية الرحلة، فلا ضوابط رياضية توقف هدير المدلولات التي تستنفرها القراءات، فنبدأ بالشكل كالأجنة، مكونة بؤرا دلالية، وحقولا شاسعة لا يمكن تثبيت حدودها."

وهكذا، فقد ظهرت التفكيكية رد فعل على اللسانيات البنيوية، والسيميوطيقا، والتأويلية (الهيرمينوطيقا)، والظاهراتية، كما ظهرت باعتبارها ثورة مضادة على الميتافيزيقا الغربية ذات الطابع العقلي والمنطقي، كما جاءت نقيضا لفكر اليمين والرأسمال الغربي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال