أحكام (من وما) النكرتان الموصوفتان.. إذا وُصِلتا بمفرد أو سبقتهما "رُبَّ الجارَّةُ" لأنها لا تُباشرُ إلا النّكرات

(من وما) النكرتان الموصوفتان:

كما تقعُ "مَنْ وما" مَوصوليَّتينِ وإستفهاميَّتين"، كما تقدَّم، تقعانِ شرطيتين، كقوله تعالى: مَنْ يفعلْ سُوءًا يُجزَ بشه"، وقوله: "وما تنفقوا من خيرٍ يُوَفَّ إليكم".
وقد تقعانِ نكرتين موصوفتين. ويتعينُ ذلك، إذا وُصِلتا بمفرد، أو سبقتهما "رُبَّ الجارَّةُ"، لأنها لا تُباشرُ إلاًَّ النّكراتِ.

الوصف بمفرد:

فمن وصفهما بمفردٍ أن تقولَ: "رأيتُ مَنْ مُحبًّا لك، وما سارًّا لك، أي: شخصاً مُحبًّا لك، وشيئاً سارًّا لك، و "جئتُك بمنْ مُحِبٍّ لك، وبما سارٍّ لك" أي: بشخصٍ مُحبٍّ لك، وشيءٍ سارٍّ لك.

ومنه قولُ حَسَّان بنِ ثابت:
فكفَى بِنا فَضلاً على مَنْ غيرِنا + حُبُّ النَّبيِّ مُحمَّدٍ إِيّانا
أي: على قومٍ غيرِنا.
وقولُ الآخر:
لِما نافِعٍ يَسْعى اللَّبيبُ، فَلا تكُن + لشيءٍ بعيدٍ نَفْعُهُ، الدَّهْرَ ساعيا

الوصل بجملة الصلة:

ولا يجوز أن تكون "من وما" فيما تقدم موصولتين، لأن الاسم الموصول يحتاج إلى جملة توصل به، وهو هنا موصول بمفرد.
فإن رفعت ما بعدها على انه خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو) جاز: فتكونان حينئذ إما نكرتين موصوفتين بجملة المبتدأ والخبر، وإما موصولتين، وجملة المبتدأ والخبر صلة لهما.
فإذا قلت: "جاءَني من محب لي، وما سار لي"، جاز أن تكونا موصوفتين بمفرد، فيكون (محب وسار) صفتين لهما، وان تكونا موصوفتين بجملة، فيكون محب وسار خبرين لمبتدأين محذوفين، وجاز أن تكونا موصولتين بجملة المبتدأ والخبر.

السبق بـ (رُبَّ):

ومِن سبقِ (رُبَّ) إيَّاهما قول الشاعر:
رُبَّ مَنْ أنضجْتُ غَيظاً قَلْبَهُ - قَدْ تَمَنَّى لِيَ مَوْتاً لم يُطَعْ
أي: رُبَّ رجلٍ، وقولُ الآخر:
رُبَّ ما تَكْرَهُ النُّفوسُ من الأَمرِ - لَهُ فَرْجةٌ كَحَلِّ الْعِقالِ
أي: رُبَّ شيءٍ من الأمر.
ولا يجوز أن تكون (من وما) هنا موصولتين، لأن الاسم الموصول معرفة، و (ربَّ) لا تباشر شيئاً من المعارف. فلا تدخل إلا على النكرات.

وإذا قلتَ: "اعتصمْ بمن يَهديكَ سبيلَ الرَّشاد، وتَمسَّكْ بما تَبلُغُ به السَّداد، جاز أن تكونا موصولتين، فالجملة بعدهما صلةٌ لهما، وأن تكونا نكرتين موصوفتين، فالجملة بعدهما صِفةُ لهما.
فإن كان المراد بمن يهدي شخصاً معهوداً، وبما تبلغ أمراً معهوداً، كانتا موصولتين، وإن كان المراد شخصاً ما هادياً، وأمراً مبلغاً، كانتا نكرتين موصوفتين.

المعرّف المعنوي بأل العهدية:

وأما قوله تعالى: "ومن الناسِ مَنْ يقول: آمنَّا" فجزمَ قومٌ بأنها موصوفةٌ، وجماعةٌ بأنها موصولةٌ. والأول أقربُ. وقال الزمخشريُّ: "إن قَدَّرتَ (ألْ) أي: (في الناس) للعَهدِ، فموصولةٌ، أو للجنس، فموصوفةٌ".
يريد أن المعرّف بأل العهدية تعريفه معنوي كما هو لفظي، فيناسبه أن تجعل "من" موصولية، لأن الموصول معرفٌ تعريفٌ ما تسبقه "أل" العهدية. وأما المعرفُ بأل الجنسية فتعريفه لفظي، وهو في معنى النكرة، فيناسبه أن تجعل "من" معه نكرة موصوفة.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال