ما هو النقد الثقافي؟.. دراسة الأدب الفني والجمالي باعتباره ظاهرة ثقافية مضمرة. ربط الأدب بسياقه الثقافي غير المعلن

مفهوم النقد الثقافي:

من المعلوم أن مصطلح الثقافة عام وعائم وفضفاض في دلالاته اللغوية والاصطلاحية، ويختلف من حقل معرفي إلى آخر، وهو من المفاهيم الغامضة في الثقافتين: الغربية والعربية على حد سواء.
فالثقافة بطابعها المعنوي والروحاني تختلف مدلولاتها من البنيوية إلى الأنتروبولوجيا وما بعد البنيوية.
وتندرج الثقافة مجاليا ضمن الحضارة التي تنقسم إلى شقين: الشق المادي والتقني، ويسمى بالتكنولوجيا (Technologie)، والشق المعنوي والأخلاقي والإبداعي، ويسمى بالثقافة(Culture).

الدراسات الثقافية والنقد الثقافي:

ومن ثم، يمكن الحديث عن نوعين من الدراسات التي تنتمي إلى النقد الحضاري:
- الدراسات الثقافية (Cultural studies) التي تهتم بكل ما يتعلق بالنشاط الثقافي الإنساني، وهو الأقدم ظهورا.
- النقد الثقافي (Cultural criticism) الذي يحلل النصوص والخطابات الأدبية والفنية والجمالية في ضوء معايير ثقافية وسياسية واجتماعية وأخلاقية، بعيدا عن المعايير الجمالية والفنية والبويطيقية، وهو الأحدث ظهورا مقارنة بالنوع الأول. ومن ثم، يهتم النقد الثقافي بالمؤلف، والسياق، والمقصدية، والقارىء، والناقد.

النقد الثقافي:

ومن ثم، فالنقد الثقافي نقد إيديولوجي وفكري وعقائدي.
وهكذا، فقد رفض المثقفون الأمريكيون القاطنون بمدينة نيويورك منح  جائزة بولنجتون في عام 1949 م للشاعر عزرا باوند؛ لأنه كان مؤيدا لموسوليني وهتلر في الحرب العالمية الثانية.
ويعني هذا أن هؤلاء المثقفين كانوا ينطلقون من مسلمات ثقافية وسياسية وأخلاقية أكثر من انطلاقهم من مرتكز النص أو الخطاب باعتباره علامة ثقافية وسياقية، تحمل مقاصد مباشرة وغير مباشرة، قبل أن يكون علامة جمالية أو فنية أو شكلية.
ومن ثم، يهدف النقد الثقافي إلى كشف العيوب النسقية التي توجد  في الثقافة والسلوك، بعيدا عن الخصائص الجمالية والفنية.
ويعني هذا أن النقد الثقافي هو" فعل الكشف عن الأنساق، وتعرية الخطابات المؤسساتية، والتعرف على أساليبها في ترسيخ هيمنتها، وفرض شروطها على الذائقة الحضارية للأمة."

النقد الثقافي بديل للنقد الأدبي:

هذا، ويرى مجموعة من النقاد الثقافيين، كفانسان ليتش (Vincent B.Leitch)، وعبد الله محمد الغذامي، وغيرهما... بأنه آن الآوان للاهتمام بالنقد الثقافي باعتباره بديلا للنقد الأدبي، بعد أن وصل هذا النقد - حسب عبد الله محمد الغذامي- إلى سن اليأس، ووصلت البلاغة العربية بعلومها الثلاثة (البيان، والمعاني، والبديع) إلى مرحلة العجز والموت، حيث يقول الغذامي: "مازلنا ندرس طلابنا في المدارس والجامعات مادة البلاغة بعلومها الثلاثة، ولانعي أن ما ندرسه لهم هو علم لم يعد يصلح لشيء، فلا هو أداة نقدية صالحة للتوظيف، ولا هو أساس لمعرفة ذوقية أو تبصر جمالي، وإن كانت قديما كذلك إلا أنها لم تعد أساسا لتصور ولا لتذوق.

النقد الأدبي:

ومن ذا يحتاج إلى رصد الكنايات والجناسات والطبقات في أي نص، ومن ذا يحتاج إليها لتذوق أي نص أو تعرف صيغه ودلالاته، ونحن في الجامعات ندرس طلابنا وطالباتنا كل ماهو نقيض لهذه البلاغة ومتجاوز لها، ولكننا لانجرؤ على إلغاء مقررات البلاغة، وقد نظن أن إلغاءها سيكون بمثابة الانتحار المعرفي، أو التآمر ضد التراث، وضد ذائقة الأمة.
تتصنم العلوم مثلما يتصنم الأشخاص حتى لتبلغ حد القداسة، وأنا أرى أن النقد الأدبي كما نعهده، وبمدارسه القديمة والحديثة قد بلغ حد النضج، أو سن اليأس حتى لم يعد بقادر على تحقيق متطلبات المتغير المعرفي والثقافي الضخم الذي نشهده الآن عالميا، وعربيا، بما أننا جزء من العالم متأثرون به ومنفعلون بمتغيراته.

النقد الثقافي والأدب الجمالي:

ولسوف أشرح أسباب هذه النظرة عندي فيما يلي من ورقات، وأبدأ بما صار يأتيني من أسئلة حول مشروعي في (النقد الثقافي)، وعن كونه بديلا عن النقد الأدبي وعن إعلان موت النقد الأدبي."
وعليه، فالنقد الثقافي هو الذي يدرس الأدب الفني والجمالي باعتباره ظاهرة ثقافية مضمرة.
وبتعبير آخر، هو ربط الأدب بسياقه الثقافي غير المعلن.
ومن ثم،  لايتعامل  النقد الثقافي مع النصوص والخطابات الجمالية والفنية على أنها رموز جمالية ومجازات شكلية موحية، بل على أساس أنها أنساق ثقافية مضمرة تعكس مجموعة من السياقات الثقافية التاريخية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والقيم الحضارية والإنسانية.
ومن هنا، يتعامل النقد الثقافي مع الأدب الجمالي ليس باعتباره نصا، بل بمثابة نسق ثقافي يؤدي وظيفة نسقية ثقافية تضمر أكثر مما تعلن.

التمييز بين نقد الثقافة والنقد الثقافي:

علاوة على ذلك، علينا ألا نخلط النقد الثقافي بنقد الثقافة أو الدراسات الثقافية العامة، فالنقد الثقافي هو الذي يتعامل مع النصوص والخطابات الأدبية والجمالية والفنية، فيحاول استكشاف أنساقها الثقافية المضمرة غير الواعية، وينتمي هذا النقد الثقافي إلى ما يسمى بنظرية الأدب على سبيل التدقيق.
في حين، تنتمي الدراسات الثقافية إلى الأنتروبولوجيا والإتنولوجيا وعلم الاجتماع والفلسفة والإعلام وغيرها من الحقول المعرفية الأخرى.
وفي هذا السياق، يقول عبد الله الغذامي: "ونميز هنا بين (نقد الثقافة) و(النقد الثقافي)، حيث تكثر المشاريع البحثية في ثقافتنا العربية، من تلك التي عرضت وتعرض قضايا الفكر والمجتمع والسياسة والثقافة بعامة، وهي مشاريع لها إسهاماتها المهمة والقوية، وهذا كله يأتي تحت مسمى (نقد الثقافة).

التمييز بين الدراسات الثقافية والنقد الثقافي:

كما لا بد من التمييز بين الدراسات الثقافية من جهة والنقد الثقافي من جهة ثانية، وهذا تمييز ضروري التبس على كثير من الناس حيث خلطوا بين (نقد الثقافة) وكتابات (الدراسات الثقافية)، وما نحن بصدده من (نقد ثقافي)، ونحن نسعى في  مشروعنا إلى تخصيص مصطلح (النقد الثقافي) ليكون مصطلحا قائما على منهجية أدواتية وإجرائية تخصه، أولا، ثم هي تأخذ على عاتقها أسئلة تتعلق بآليات استقبال النص الجمالي، من حيث إنه المضمر النسقي لايتبدى على سطح اللغة، ولكنه نسق مضمر تمكن مع الزمن من الاختباء، وتمكن من اصطناع الحيل في التخفي، حتى ليخفى على كتاب النصوص من كبار المبدعين والتجديديين، وسيبدو الحداثي رجعيا، بسبب سلطة النسق المضمر عليه."

وعليه، فالنقد الثقافي عبارة عن مقاربة متعددة الاختصاصات، تنبني على التاريخ، وتستكشف الأنساق والأنظمة الثقافية، وتجعل  النص أو الخطاب وسيلة أو أداة لفهم المكونات الثقافية المضمرة في اللاوعي اللغوي والأدبي والجمالي.
أما الدراسات الثقافية، فتهتم بعمليات إنتاج الثقافة وتوزيعها واستهلاكها، وقد توسعت لتشمل دراسة التاريخ، وأدب المهاجرين، والعرق، والكتابة النسائية، والجنس، والعرق، والشذوذ، والدلالة، والإمتاع... وذلك كله من أجل كشف نظرية الهيمنة وأساليبها.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال