أصبحت التفكيكية منهجية مطبقة في الفلسفة والأدب والفن وجميع حقول الثقافة، وخاصة في الثقافة الأنجلوسكسونية.
وقد تم ترحيلها من حقل الفلسفة واللاهوت إلى حقل الأدب والبلاغة والتأويل مع جماعة ييل.
ومن المعروف أن التفكيكية هي طريقة لفضح الأوهام والأخطاء الشائعة، واكتشاف المتناقضات في الأفكار والمعاني والاتجاهات والمعتقدات، وتعرية أوهام الإيديولوجيا، وتشغيلها أداة للحوار والاختلاف البناء، واستعمالها آلية للحفروالنبش والتنقيب في النصوص والخطابات، وآلية منهجية لإعادة قراءة التاريخ، وقراءة الهامش في تقابله مع المركز، وهي بمثابة " نوع من السيميولوجيا للحياة اليومية التي تزخر بالدلالات والعلامات."
وهكذا، فإن التفكيكية هي مقاومة للترهات والحماقات والخزعبلات، وكتابة للدفاع عن اللامعقول.
كما أنها نبراس لكشف المختلف عن طريق تجليته، والإحاطة به تقويضا وتشتيتا وتأجيلا، بغية تحريره من الترسبات الفكرية المغلقة والمحنطة، وتخليصه من رواسب العادات الموروثة، والتقاليد المضللة التي تسيج الفكر في مجموعة من الأنماط الجاهزة والقوالب النمطية.
هذا، وقد تعرضت التفكيكية لانتقادات عنيفة، سواء في شقها الأدبي أم الفلسفي، وخاصة في شعب الأدب في جامعات الولايات المتحدة الأمريكية.
فما يلاحظ على التفكيكية أولا أنها رؤية فلسفية غامضة في طرحها النظري والمنهجي، وأن مقولاتها ومفاهيمها أكثر تعقيدا وصعوبة وإبهاما، فإذا أخذنا - مثلا- مصطلح التفكيك عند ديريدا، فيختلف عن مفهوم التفكيك عند البنيويين، فهو عند البنيويين إيجابي يحترم ثوابت العقل والمنطق واللغة الكلامية.
في حين، يعني التفكيك عند ديريدا الهدم، والتقويض، والتشتيت، وبعثرة الدلالات المختلفة بشكل عدمي وسلبي.
ويعترف ديريدا بذلك شخصيا حينما يقول: "إن صعوبة تحديد مفردة التفكيك. وبالتالي، ترجمتها، إنما تنبع من كون جميع المحمولات وجميع المفهومات التحديدية وجميع الدلالات المعجمية، وحتى التمفصلات النحوية التي تبدو في لحظة معينة وهي تمنح نفسها لهذا التحديد وهذه الترجمة، خاضعة هي الأخرى للتفكيك وقابلة له، مباشرة أو مداورة، إلخ... وهذا يصح على كلمة التفكيك وعلى وحدتها، مثلما على كل كلمة..."
كما تختلف النسخة الأمريكية من التفكيكية عن النسخة الأوروبية الدريدية في كثير من المبادىء والأفكار.
والسبب في هذا التباعد هو الترجمة لأفكار ديريدا من الأصل الفرنسي إلى اللغة الإنجليزية؛ مما أفقد هذه الأفكار دلالاتها الاصطلاحية الأصلية، ومفاهيمها العميقة.
فالترجمة - كما قيل- خيانة، وخير دليل على ذلك ترجمة مصطلح الاختلاف الذي أثار كثيرا من سوء الفهم في الثقافة الأنجلوسكسونية والثقافة اليابانية.
ومن المعلوم أن التفكيكية - باعتبارها إيديولوجية راديكالية- متشبعة بأفكار كارل ماركس الثورية.
لذا، تحسب هذه النظرية الفلسفية الجديدة على سياسة اليسار، وفكر (مابعد الحداثة)، كما أن ديريدا محسوب على اليسار الفرنسي.
وهنا، ننبه إلى أن لا علاقة للتفكيكية بفشل ثورة الطلاب بفرنسا سنة1968م؛ لأن ديريدا كتب أفكاره في سنوات الخمسين وبدايات الستين من القرن الماضي. ومن ثم، فمدرسة ييل الأمريكية مختلفة سياسيا وإيديولوجيا عن سياسة ديريدا؛ لأن المدرسة تدافع عن سياسة أمريكا الليبرالية ذات الطابع الرأسمالي.
وهناك من يتهم التفكيكية و(ما بعد الحداثة) بالنعوت السلبية بأنها ترعى جيلا بلا مواطنة، وذا وعي ثوري رافض وعدمي، وذا تفكير سلبي.
وهكذا، فالتفكيكية في جوهرها هي ضد الأفكار السياسية ذات الطابع المؤسساتي. لذا، تحارب التفكيكية البنيوية والسيميائية.
ومن هنا، فديريدا يطالب بتعرية الخطاب الرسمي، وفضح مقاصده الإيديولوجية؛ لأن الإيديولوجيا تتخفى وراء الخطاب.
ومن هنا، يستعمل ديريدا خطابه التفكيكي التقويضي لمناهضة الديمقراطية الرأسمالية، واستبدالها بديمقراطية مستقبلية ستحل يوما ما.
ويرى كثير من الباحثين والدارسين أن التفكيكية قد ابتعدت كثيرا عن أفكار جاك ديريدا كما طرحها في أصولها الحقيقية. ولم يلتزم أصحابها بوعود ديريدا، ولم يتقيدوا بشروطه النظرية والتوجيهية.
هذا، ويرفض ديريدا أن تتحول التفكيكية إلى منهجية أو طريقة نقدية لقراءة الأدب، لكن التفكيكيين في الولايات المتحدة حولوها إلى طريقة في التأويل النقدي، وقراءة النصوص الأدبية كما هو حال بول دومان.
وبهذا، أصبحت التفكيكية طريقة في القراءة والتأويل وتشريح النصوص والخطابات كيفما كان نوعها.
التسميات
تفكيكية