علي رضي الله عنه ودوره الإعلامي في حجة أبى بكر بالناس 9هـ.. خرج على ناقة رسول الله (ص) العضباء. إعلان نقض العهود على مسامع المشركين في موسم الحج

كانت تربية المجتمع وبناء الدولة في عهد النبي (ص) مستمرة على كل الأصعدة والمجالات العقائدية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والعسكرية، والتعبدية، وكانت فريضة الحج لم تمارس في السنوات الماضية، فحجة عام 8هـ بعد الفتح كلف بها عتاب بن أسيد، ولم تكن قد تميزت حجة المسلمين عن حجة المشركين([1]), فلما حل موسم الحج أراد (ص) الحج ولكنه قال: إنه يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت ([2]) , فلا أحب أن أحج. وكان ذلك في سنة9هـ فخرج أبو بكر ومعه عدد كبير من الصحابة، وساقوا معهم الهدي([3]), فلما خرج الصديق بركب الحجيج نزلت سورة براءة فدعا النبي (ص) عليًا رضي الله عنه وأمره أن يلحق بأبى بكر الصديق، فخرج على ناقة رسول الله (ص) العضباء حتى أدرك الصديق أبا بكر بذى الحليفة، فلما رآه الصديق قال له: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم سارا، فأقام أبو بكر للناس الحج على منازلهم التي كانو عليها في الجاهلية، وكان الحج في هذا العام في ذي الحجة كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة لا في شهر ذي القعدة كما قيل، وقد خطب الصديق قبل التروية، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم النفر الأول، فكان يعرف الناس مناسكهم: في وقوفهم وإفاضتهم، ونحرهم، ونفرهم، ورميهم للجمرات.. إلخ، وعلى يخلفه في كل موقف من هذه المواقف، فيقرأ على الناس صدر سورة براءة ثم ينادي في الناس بهذه الأمور الأربعة، لا يدخل في الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي (ص) عهد فعهده إلى مدته، ولا يحج المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا([4]), وقد أمر الصديق رهطًا آخر من الصحابة لمساعدة على بن أبى طالب في إنجاز مهمته([5]).
إن نزول صدر سورة براءة يمثل مفاصلة نهائية مع الوثنية وأتباعها، حيث منعت حجهم وأعلنت الحرب عليهم([6]).
قال تعالى: + بَرَاءَةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ` فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ` وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [التوبة:1-3].
وقد أمهل المعاهدون لأجل معلوم منهم إلى انتهاء مدتهم، قال تعالى: +إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ" [التوبة:4].
كما أُمهل من لا عهد له من المشركين إلى انسلاخ الأشهر الحرم، حيث يصبحون بعدها في حالة حرب مع المسلمين، قال تعالى: + فَإِذَا انسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [التوبة:5].
وقد كلف النبي (ص) عليًا بإعلان نقض العهود على مسامع المشركين في موسم الحج، مراعاة لما تعارف عليه العرب فيما بينهم من عقد العهود ونقضها، ألا يتولى ذلك إلا سيد القبيلة أو رجل من رهطه، وهذا العرف ليس فيه منافاة للإسلام، فلذلك تدارك النبي (ص) الأمر وأرسل عليًا بذلك، فهذا هو السبب في تكليف على بتبليغ صدر سورة براءة لا ما زعمته الرافضة من أن ذلك للإشارة إلى أن عليًا أحق بالخلافة من أبى بكر، وقد علق الدكتور محمد أبو شهبة فقال: ولا أدري كيف غفلوا عن قول الصديق: أمير أم مأمور؟ ([7]) وكيف يكون المأمور أحق بالخلافة من الأمير([8]), وقد كانت هذه الحجة بمثابة التوطئة للحجة الكبرى وهي حجة الوداع، لقد أعلن في حجة أبى بكر أن عهد الأصنام قد انقضى، وأن مرحلة جديدة قد بدأت، وما على الناس إلا أن يستجيبوا لشرع الله تعالى، فبعد هذا الإعلان الذي انتشر بين قبائل العرب في الجزيرة، أيقنت تلك القبائل أن الأمر جد، وأن عهد الوثنية قد انقضى فعلاً، فأخذت ترسل وفودها معلنة إسلامها ودخولها في التوحيد([9]).

([1]) السيرة النبوية لأبى شبهة (2/536)، دراسات في عهد البنوة: ص(22).
([2]) نضرة النعيم (1/98)، البطقات الكبرى (2/168).
([3]) فتح الباري (8/82).
([4]) مسند الإمام أحمد الموسوعة الحديثية رقم 594حديث صحيح.
([5]) السيرة النبوية لأبى شهبة (2/537).
([6]) نضرة النعيم (1/399).
([7]) السيرة النبوية لأبى شهبة (2/540)، صحيح السيرة: ص(624).
([8]) السيرة النبويةن لأبى شهبة (2/540).
([9]) قراءة سياسية للسيرة النبوية: ص (283).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال