علي رضي الله عنه ووفد نصارى نجران، وآية المباهلة 9هـ.. يمنعكم من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وزعمكم أن لله ولدًا

كتب رسول الله (ص) إلى نجران([1]) كتابًا قال فيه: «أما بعد، فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد، فإن أبيتم فالجزية. فإن أبيتم آذنتكم بحرب. والسلام»([2]) فلما أتى الأسقف الكتاب، جمع الناس وقرأه عليهم، وسألهم عن الرأي فيه؟ فقرروا أن يرسلوا إليه وفدًا يتكون من أربعة عشر من أشرافهم، وقيل: ستين راكبًا، منهم ثلاثة نفر يؤول إليهم أمرهم: العاقب، وهو أميرهم وصاحب مشورتهم والذين يصدرون عن رأيه، والسيد وهو صاحب رحلتهم، وأبو الحارث أسقفهم وحبرهم وصاحب مدارسهم([3]), ولما جاء وفد نصاري نجران إلى رسول الله (ص) بالمدينة، وضعوا ثياب السفر عنهم، ولبسوا حللاً لهم يجرونها من الحبرة، وخواتيم الذهب، ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله (ص)، فسلموا عليه، فلم يرد عليهم السلام، وتصدوا لكلامه طويلاً، فلم يكلمهم، وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب، فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف- رضي الله عنهما- وكانا على معرفة لهم، كانا يخرجان العير في الجاهلية إلى نجران، فيشتري لهما من برها وثمرها وذرتها، فوجدوهما في ناس من الأنصار في مجلس، فقالوا: يا عثمان، ويا عبد الرحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب، فأقبلنا مجيبين له، فسلمنا عليه، فلم يرد علينا سلامنا، وتصدينا لكلامه نهارًا طويلاً، فأعيانا أن يكلمنا، فما الرأي منكما، أنعود؟ فقالا لعلي بن أبى طالب وهو في القوم: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ قال: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم، ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يأتوا إليه، ففعل الوفد ذلك، فوضعوا حللهم وخواتيمهم، ثم عادوا إلى رسول الله (ص) فسلموا عليه، فرد سلامهم، ثم سألهم وسألوه فلم تزل بهم وبه المسألة([4]). وقالوا لرسول الله (ص): كنا مسلمين قبلكم، فقال النبي (ص): «يمنعكم من الإسلام ثلاث: عبادتكم الصليب، وأكلكم الخنزير، وزعمكم أن لله ولدًا»([5]) وكثر الجدال والحجاج بينه وبينهم، والنبي يتلو عليهم القرآن ويقرع باطلهم بالحجة، وكان مما قالوه لرسول الله (ص): ما لك تشتم صاحبنا وتقول: إنه عبد الله، فقال: «أجل إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول»، فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنسانًا قط من غير أب، فإن كنت صادقًا فأرنا مثله؟ فأنزل الله في الرد عليهم قوله سبحانه: + إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ` الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ" [آل عمران: 59، 60]. فكانت حجة دامغة شبه فيها الغريب بما هو أغرب منه([6]), فلما لم تُجد معهم المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة دعاهم إلى المباهلة([7]), امتثالاً لقوله تعالى: + فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" [آل عمران:61].
وخرج النبي (ص) ومعه الحسن والحسين وفاطمة وقال: «وإذا أنا دعوت فأمَّنوا»([8]). فائتمروا فيما بينهم، فخافوا الهلاك لعلمهم أنه نبى حقًا، وأنه ما باهل قوم نبيًا إلا هلكوا، فأبوا أن يلاعنوه وقالوا: احكم علينا بما أحببت، فصالحهم على ألفي حلة، ألف في رجب وألف في صفر([9]).

([1]) نجران بلد كبير على سبع مراحل من مكة إلى جهة اليمن.
([2]) البداية والنهاية (5/48).
([3]) المصدر نفسه (5/48)، السيرة النبوية لأبى شهبة (2/547).
([4]) زاد المعاد (3/629- 638).
([5]) المصدر نفسه (3/633).
([6]) المصدر نفسه (3/633).
([7]) السيرة النبوية لأبى شهبة (2/547).
([8]) السيرة النبوية لأبى شهبة (2/547).
([9]) السيرة النبوية لأبى شهبة (2/547).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال