علي رضي الله عنه في غزوة الأحزاب.. منازلة عمرو بن عبد ود والقضاء عليه. خروج خيل المشركين منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هاربة

كان موقف أمير المؤمنين على رضي الله عنه في الأحزاب بطوليًّا رائعًا ينم عن مدى رسوخ العقيدة في قلوب أصحاب النبي (ص)، والدعوة إليها، والموت في سبيلها، والبراءة ممن خالفها، قال ابن إسحاق: وخرج على بن أبى طالب في نفر من المسلمين بعد أن اقتحمت خيل المشركين ثغرة في الخندق حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعدو نحوهم، وكان عمرو بن عبد وقد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراح، فلم يشهد يوم أُحد، فلما كان يوم الخندق خرج معلمًا لُيرَى مكانه فلما وقف هو وخيله قال: من يبارز؟ فبرز له على بن أبى طالب فقال له: يا عمرو، إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلى أحد خلتين إلا أخذتها منه، قال له: أجل، قال له على: فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك، قال: فإني أدعوك إلى النّزل، فقال له: لِمَ يا ابن أخي؟ فوالله ما أحب أن أقتلك، قال له على: لكني والله أحب أن أقتلك، فحمى عمرو عند ذلك، فاقتحم عن فرسه، فعقرها، وضرب وجهه، ثم أقبل على علىًّ، فتنازلا وتجاولا فقتله على رضي الله عنه، وخرجت خيلهم منهزمة، حتى اقتحمت من الخندق هاربة([1]).
وقد ذكر ابن كثير ما رواه البيهقي في دلائل  النبوة من أشعار قالها عمرو بن عبد ود وعلي رضي الله عنه، فقد قال عمرو لما خرج للمبارزة:
ولقد بححْتُ من النداء           لَجمعِهِم هل من مبارز؟
ووقفت إِذ جَبُنَ المشجَّع         موقف القرن المناجز
ولذاك إني لم أكُن                متسرعًا قبل الهَزاهِزْ
إن الشجاعة في الفتى           والجود من خير الغرائِزْ
فعندما خرج له على رضي الله عنه:
لا تَعْجَلنَّ فقد أتاك              مُجيبُ صَوتكَ غير عاجز
في نية وبصيرة                  والصدق مَنْجَى كلِّ فائز
إني لأرجُو أن أقيم              عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يبقى          ذكرها عند الهزائز([2])
ولما قتل على رضي الله عنه عمرو بن عبد ود ذكروا أنه قال من الشعر:
أعلىُّ تفتحم الفوارس هكذا         عنىّ وعنهم أخروا أصحابي
اليوم يمنعني الفرارَ حفيظتي      ومُصَمَّم في الرأس ليس بنابي([3])
وألقى عكرمة رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو، فقال حسان بن ثابت:
فرّ وألقى لنا رمحه               لعلَّكَ عَكْرمُ لم تفْعلِ
ووليت تعدو كعدو الظَّليم      ما أن يحوّر عن المعدل
ولم تلوِ ظهرك مستأنسًا        كان قفاك قفا فَرْعَل([4])
وبعد مقتل عمرو بن عبد ود بعث المشركون إلى رسول الله (ص) يشترون جيفته بعشرة آلاف، فقال: ادفعوا إليهم جيفتهم، فإنه خبيث الجيفة، خبيث الدية، فلم يقبل منهم شيئًا.
وقد حدث هذا والمسلمون في ضنك من العيش، ومع ذلك فالحلال حلال والحرام حرام، إنها مقاييس الإسلام في الحلال والحرام، فأين هذا من بعض المسلمين الذين يحاولون إيجاد المبررات لأكل الربا وما شابهه؟ ([5]).
([1]) السيرة النبوية لابن هشام (3/348).
([2]) نجلاء: واسعة، الهزائز: الحروب الشدائد.
([3]) البداية والنهاية (4/106).
([4]) الفرعل: صغار الضباع.
([5]) معين السيرة للشامي: ص(94).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال