هجرة الإمام علي بن أبي طالب.. في أثناء هجرته يكمن بالنهار فإذا جن عليه الليل سار حتى قدم المدينة، وقد تفطرت قدماه

لما أصبح على، رضي الله عنه، قام عن فراشه، فعرفه القوم وتأكدوا من نجاة رسول الله (ص)، فقالوا لعلى: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، أو رقيبًا كنت عليه؟ أمرتموه بالخروج فخرج. وضاق القوم بتلك الإجابة الجريئة وغاظهم خروج رسول الله من بين أظهرهم، وقد عموا عنه فلم يروه، فانتهروا عليًا وضربوه، وأخذوه إلى المسجد فحبسوه هناك ساعة، ثم تركوه ([1]), وتحمل علي ما نزل به في سبيل الله، وكان فرحه بنجاة رسول الله أعظم عنده من كل أذى نزل به، ولم يضعف ولم يخبر عن مكان رسول الله (ص)، وانطلق على في مكة يجوب شوارعها باحثًا عن أصحاب الودائع التي خلفه رسول الله من أجلها، وردها إلى أصحابها، وظل يرد هذه الأمانات حتى برئت منها ذمة رسول الله (ص)، وهناك تأهب للخروج ليلحق برسول الله (ص) بعد ثلاث ليال قضاهن في مكة ([2]).
وكان علي في أثناء هجرته يكمن بالنهار فإذا جن عليه الليل سار حتى قدم المدينة، وقد تفطرت قدماه ([3]), وهكذا يكون على رضي الله عنه، قد لاقى في هجرته من الشدة ما لاقى، فلم تكن له راحلة يمتطيها، ولم يستطع السير في النهار لشدة حرارة الشمس وفي مشي الليل ما فيه من الظلمة المفجعة والوحدة المفزعة، ولو أضفنا إلى ذلك أنه - رضي الله عنه - قد قطع الطريق على قدميه دون أن يكون معه رفيق يؤنسه، لعلمنا مقدار ما تحمله من قسوة الطريق ووعثاء السفر ابتغاء مرضاة الله - عز وجل - وأنه في نهاية المطاف سيلحق برسول الله (ص)، ويستمتع بجواره أمنًا مطمئنًا في المدينة، ولم يكد علىّ يقطع الطريق ويصل إلى المدينة حتى نزل في بنى عمرو بن عوف على كلثوم بن الهدم، حيث كان ينزل رسول الله (ص) ([4]), وهكذا كانت هجرة أمير المؤمنين على بن أبى طالب - رضي الله عنه - تضحية وفداء وتحملاً وشجاعة وإقدامًا.
وقد لاحظ سيدنا علي مدة إقامته بقباء امرأة مسلمة لا زوج لها، ورأى إنسانًا يأتيها من جوف الليل، فيضرب عليها بابها، فتخرج إليه، فيعطيها شيئًا معه، فتأخذه، ولنستمع إليه رضي الله عنه وهو يحدثنا بالقصة حيث قال: فاستربت بشأنه، فقلت لها: يا أمة الله، من هذا الذي يضرب عليك بابك كل ليلة فتخرجين إليه، فيعطيك شيئًا لا أدري ما هو؟ وأنت امرأة مسلمة، لا زوج لك؟ قالت: هذا سهل بن حنيف بن وهب، قد عرف أني امرأة لا أحد لي، فإذا أمسى عدا على أوثان قومه فكسرها، ثم جاءني بها فقال: احتطبي بهذا, فكان علي رضي الله يؤثر ذلك من أمر سهل بن حنيف حتى هلك عنده بالعراق ([5]). ونلاحظ صفة النباهة واليقظة التي لابد للمسلم أن يتحلى بها ولا يكون غافلاً عما يدور حوله.

([1]) تاريخ الطبري (2/374).
([2]) تاريخ الطبري (2/382)، البداية والنهاية (7/335)، جولة تاريخية: ص(424).
([3]) الكامل (2/106).
([4]) الطبقات الكبرى (3/22)، السيرة لابن هشام (2/129)، ذكره ابن إسحاق بدون إسناده جولة تاريخية: (425).
([5]) محمد رسول الله، صادق عرجون (2/421).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال