علي رضي الله عنه في غزوة حمراء الأسد.. مكملة لغزوة أحد. لا يخرج من الناس إلا من شهد أُحُدًا. خيل لقريش أن جيش المسلمين ذو عدد كبير لا طاقة لهم به فانصرفوا وقد ملأ الرعب أفئدتهم

تعتبر غزوة حمراء الأسد مكملة لغزوة أحد، فقد عاد المسلمون من أحد مساء السبت الخامس عشر من شوال من السنة الثالثة للهجرة، وما أن أصبح الصباح وخرج الناس من صلاة الفجر إلا وأذنَّ مؤذن رسول الله (ص) بالتهيؤ على جناح السرعة لمطاردة العدو، وألا يخرج من الناس إلا من شهد أُحُدًا، فاستجاب الناس لنداء رسول الله (ص) مع ما بهم من جراحات وتعب، وكان في مقدمتهم رسول الله (ص)، ولم يسمح لعبد الله بن أبىَّ بالخروج معه، ولا لأحد لم يشهد أحُدًا إلا جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الذي استشهد أبوه في أُحُد، وكان قد منعه من الاشتراك في بدر وأحد ليبقى عند أخواته البنات، وخرج الجيش وفي مقدمتهم رسول الله (ص)، ويحمل اللواء، لواء أحد نفسه علىُّ بن أبى طالب([1]), وصل المسلمون بقيادة رسولهم الكريم (ص) إلى حمراء الأسد التي تبعد عن المدينة ثلاثة عشر ميلاً، حيث حطُّوا الرحال فيها، وقد أدهشت هذه الحركة اليهود والمنافقين لما فيها من جرأة وشجاعة، وأيقنوا أن الروح المعنوية عالية، وأنهم لو هُزموا لما عملوا على مطاردة قريش([2]), كما أن في خروج النبي (ص) إلى حمراء الأسد إشارة نبوية إلى أهمية استعمال الحرب النفسية للتأثير على معنويات الخصوم، فخرج (ص) بجنوده إلى حمراء الأسد ومكث فيها ثلاثة أيام، وأمر بإيقاد النيران، فكانت تشاهد من مكان بعيد وملأت الأرجاء بأنوارها حتى خيل لقريش أن جيش المسلمين ذو عدد كبير لا طاقة لهم به، فانصرفوا وقد ملأ الرعب أفئدتهم([3]).
قال ابن سعيد: ومضى رسول الله (ص) بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد، وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت الله تعالى بذلك عدوهم([4]), وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحرب الباردة وسجلها المولى عز وجل في كتابه في معرض الثناء على الصحابة: +الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ` الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ` فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ` إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" [آل عمران: 172- 175].

([1]) وقد حمل على رضي الله عنه لواء رسول الله (ص) في غزوة الكُدر لبنى سليم بعد عودته إلى المدينة بسبع ليال من غزوة بدر.
([2]) على بن أبى طالب، أحمد السيد الرفاعي ص1-10، تاريخ الإسلام للذهبي، المغازى ص 226.
([3]) غزوة أحد لأبى فارس: ص(51).
([4]) الطبقات لابن سعد (2/49).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال