الوصف الروائي.. الارتباط بكل المكونات الفنية التي تشكل الخطاب السردي والمساهمة بدور كبير وفعال في تهيئة المناخ المناسب لكي تضطلع العناصر الفنية بوظائفها

يعرف قدامة بن جعفر الوصف قائلا: "الوصف إنما هو ذكر الشيء كما فيه من الأحوال والهيئات, ولما كان أكثر وصف الشعراء إنما يقع على الأشياء المركبة من ضروب المعاني كان أحسنهم من أتى في شعره بأكثر المعاني التي الموصوف مركب منها ثم بإظهارها فيه وأولاها حتى يحكيه بشعره ويمثله للحس بنعته".

فالوصف عنده نوع من التصوير، يتناول الأشياء في مظهرها الحسي, ويعرضها للعين , ويشخص مكوناتها, والوصف عنده مقصور على الشعر وحده, وله في ذلك عذر فقد كان النثر الفني محدودا في بدايات القرن الرابع الهجري, فلم تتسع حقوله, وتتنوع أجناسه إلا مع نهايات القرن الرابع الهجري.

ولم يضف من جاءوا بعده كثيرا عندما تعرضوا لتعريف هذا المصطلح . فابن رشيق يقول عنه هو: "ما نعت به الشيء حتى يكاد يمثله عيانا للسامع".

وقد كان الوصف في بداياته يهتم بنقل الأشياء كما هي، دون تدخل في ملامحها، فلم يتعد دور الأديب -الشاعر والناثر- دور الكاميرا, "وقد شجع على ذلك نظرة اللغويين إلى الشعر باعتباره وثيقة تاريخية يمكن الاستعانة بها لدراسة المعارف المتصلة بحياة الأعراب".

لكن يجب أن نعترف بدور الخيال في عملية النقل, فهو دور لا يمكن إغفاله، حتى مع النقل الحرفي, فمهما كان تصوير الشيء (فتوغرافيا) ففي النقل شيء من الخيال، فالواقعيون يتميز الوصف عندهم بأساليب مختلفة، "إما أن يوصف الشيء وصفا موضوعيا حيث يقوم الكاتب بتتبع كل العناصر المكونة له، أو أن ينظر إلى الشيء من حيث وقعه على الناظر أو السامع فيلونون الأشياء بنظر الناظر أو سمع السامع لها.".

والوصف يرتبط بكل المكونات الفنية التي تشكل الخطاب السردي؛ فهو يسهم بدور كبير وفعَّال في تهيئة المناخ المناسب لكي تضطلع العناصر الفنية بوظائفها، مثل الحدث الذي يستمد وجوده من سلسلة العلاقات المترابطة في البنية السردية، والشخصية، والزمان، والمكان.

فكل عمل سردي "يحتوى صورا من الحركات والأحداث، وهذه الصور هي التي تشكل السرد بمفهومه الدقيق.
كما أن كل عمل سردي يشتمل على صور من الأشياء والشخصيات، وهي التي تمثل، في العهد الراهن، ما يطلق عليه الوصف".

والعلاقة بين الوصف والسرد  في الرواية علاقة ترابط، فالوصف يوجد حيث يوجد السرد، والسرد يكون حيث يكون الوصف، فليس لأحدهما حياة دون الآخر، فلا توجد رواية قائمة على السرد فقط، ولا توجد رواية قائمة على الوصف فقط.

فالنص الروائي في جملته ما هو إلا مقاطع سردية ومقاطع وصفية، تتناول المقاطع السردية الأحداث وسيرها في الزمن، وتتناول المقاطع الوصفية تحديد ملامح الأشياء، وهو التحديد الذي يجعل لها كيانا يشغل حيزا، ويقنع المتلقي ـ ولو إقناعا كاذبا ـ بحقيقة وجودها، لذلك فإننا " نلفى الوصف أكثر لزوما للسرد من لزوم السرد للوصف"؛ فمن الممكن أن نتصور مقطعا وصفيا خاليا من الزمن ,لكن من المستحيل أن نتصور  مقطعا سرديا خاليا من الوصف.

ومع هذا الترابط الشديد بين الوصف والسرد فإن الوصف لا يعد عنصرا أساسيا من العناصر المشكلة للعمل الروائي، وهذا لا يعنى تهميشه؛ فالعمل الروائي لا يشبع النفس الأدبية، ولا يروى الظمأ الفني  لو كان خاليا من الوصف.

ويشترط في الوصف الروائي ألا يتجاوز الحد، فتشغل اللوحات الوصفية مساحات كبيرة من العمل الروائي ويحيد "السرد عن غايته التي هي أصلا أداء وظيفة الحكى ضمن المكونات السردية العامة المتشابكة".
أحدث أقدم

نموذج الاتصال