مشاركة علي بن أبي طالب في حركة السرايا.. غزوة العشيرة لغزو قريش. غزوة بدر الأولى حيث أعطى الرسول أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه لواءه الأبيض

بمجرد الاستقرار الذي حصل للمسلمين بقيادة الرسول (ص) في المدينة بدأت حركة السرايا التي استهدفت بسط هيبة الدولة في الداخل والخارج، وكسب بعض القبائل وتحجيم دور الأعراب، وتربية الصحابة على الإعداد القتالي للغزوات الكبرى، وحركة الفتوحات ميدان لصناعة القادة عمليًا، وقد شارك في هذه السرايا أمير المؤمنين على رضي الله عنه التي حدثت قبل بدر وما بعدها، وأما التي شارك فيها قبل غزوة بدر الكبرى فمنها:
1- غزوة العشيرة([1]): وفيها غزا (ص) قريشًا، واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وسميت هذه الغزوة بغزوة العشيرة، فأقام بها جمادي الأولى وليالي من جمادي الآخرة، وادع فيها بنى مدلج وحلفاءهم من بنى ضمرة، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدًا، وذلك أن العير التي خرج لها قد مضت ذلك بأيام ذاهبة إلى الشام([2]), فساحلت على البحر، وبلغ قريشًا خبرها فخرجوا يمنعونها، فلقوا رسول الله (ص) ووقعت عزوة بدر الكبرى([3]), وقد حدثنا عمار بن ياسر عن مشاركته وعلى رضي الله عنهما في تلك الغزوة، فعن عمار ابن ياسر قال: كنت أنا وعلى رفيقين في غزوة ذى العشيرة، فلما نزلها رسول الله (ص) وأقام بها رأينا ناسًا من بنى مدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي على: يا أبا اليقظان هل لك أن تأتي هؤلاء فتنظر كيف يعملون؟ فجئناهم، فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلى، فاضطجعنا في صور من النخل، في دقعاء([4]) من التراب فنمنا، فوالله ما أهبنّا إلا رسول الله (ص) يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فيومئذ قال رسول الله (ص) لعلي: يا أبا تراب، لما رأى عليه التراب قال: «ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟» فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: «أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا على على هذه [يعنى قرنه] حتى تُبَل منه هذه [يعنى لحيته]» ([5]),وقد تكرر نداء رسول الله لعلي بأبي تراب وسيأتي الحديث عنه.
2- غزوة بدر الأولى: سببها: أن كرز بن جابر الفهري، قد أغار على سَرْح([6]) المدينة ونهب بعض الإبل والمواشي، فخرج رسول الله (ص) في طلبه، حتى بلغ واديًا يقال له «سفوان» من ناحية بدر، وفاته كرز بن جابر، فلم يدركه، فرجع رسول الله (ص) إلى المدينة([7]), وقد أعطى الحبيب المصطفى أمير المؤمنين عليًا رضي الله عنه لواءه الأبيض([8]).
وتعتبر حركة السرايا بداية الجهاد القتالي ضد أعداء الدعوة، مع حركة السرايا والبعوث والغزوات التي خاضها رسول الله (ص) ضد المشركين ظهرت جليًا سنة التدافع التي تعامل معها النبي (ص) وأصحابه ومن بينهم أمير المؤمنين على بن أبى طالب، وهذه السنة متعلقة تعلقًا وطيدًا بالتمكين لهذا الدين، وقد أشار الله تعالى إليها في كتابه العزيز وجاء التنصيص عليها في قوله تعالى: + وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" [البقرة:251]، وفي قوله تعالى: + الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" [الحج:40].

([1]) ناحية من نواحي ينبع بين مكة والمدينة.
([2]) طبقات ابن سعد (2/10).
([3]) المصدر نفسه (2/11).
([4]) الدقعاء: الأرض التي لانبات فيها، القاموس(3/22).
([5]) فضائل الصحابة (2/855) رقم 1172إسناده حسن.
([6]) السرح: الإبل والمواشي التي تسرح للرعي بالغداة.
([7]) سيرة ابن هشام (2/601).
([8]) تاريخ الإسلام للذهبي (2/48)، على بن أبى طالب للرفاعي: ص(89).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال