بيان الإمام علي (ض) فضل الرسول (ص) وبعض حقوقه على أمته.. وجوب الصدق عنه والتحذير من الكذب عليه. البعد عن أسباب تكذبيه. إحسان الظن بحديثه. الصلاة عليه. محبته

بيَّن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه في معرض حديثه للمسلمين فضائل النبي (ص) ومما قاله في هذا المجال: «فكان مما أكرم الله به عز وجل هذه الأمة، وخصهم به من الفضيلة أن بعث إليهم محمدًا (ص)، فعلمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرقوا، وزكاهم لكيما يتطهروا، ورفههم لكيما لا يجوروا، فلما قضى من ذلك ما عليه، قبضه الله عز وجل صلوات الله عليه ورحمته وبركاته»([1]). وإليك بعض حقوقه (ص):
(أ) وجوب الصدق عنه والتحذير من الكذب عليه: حذر أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه من الكذب على رسول الله، فعن ربعي بن حراش قال: سمعت على بن أبى طالب يقول: قال النبي (ص): «لا تكذبوا علىَّ فإنه من كذب علىّ فليلج النار»، وحذر أمير المؤمنين على رضي الله عنه من نقل الكذب- وهو يعلم أنه كذب – فيما يرويه عن النبي (ص) قال: «من حدث عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين»([2]).
(ب) البعد عن أسباب تكذبيه: أرشد أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه الناس إلى البعد عن الأمر الذي يكون سببًا في تكذيب رسول الله (ص)، كتحديث الناس بما لا تدركه عقولهم من أقوال رسول الله (ص)، فقد قال: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله»([3]), ومعنى الحديث: بما يعرفون: أي يفهمون، وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة، وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين، وأن المراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوى البدعة وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب([4]).
(ج) إحسان الظن بحديث رسول الله (ص): قال أمير المؤمنين على رضي الله عنه: إذا حُدّثتم عن رسول الله (ص) حديثًا فظنوا به هو أهناه وأهداه وأتقاه([5]).
(د) الصلاة عليه: قال تعالى: + إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ([6]) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" [الأحزاب:56].
وهذا إخبار من الله سبحانه وتعالى بمنزلة عبده ونبيه في الملأ الأعلى، بأنه يثنى عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلى عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوى والسفلي جميعًا([7])، ويؤكد أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه هذا الحق لرسول الله × بوصف من لم يصلَّ على رسول الله عند سماع ذكره بالبخل، فيما يرويه عن رسول الله (ص)، حيث قال: «البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علىَّ»([8]).
(هـ) محبته لرسول الله (ص): قال تعالى: + قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" [التوبة: 24]. فالآية نصت على وجوب محبة الله ورسوله، وأن تلك المحبة يجب أن تكون مقدمة على كل محبوب، ولا خلاف في ذلك بين الأمة([9])، وقال تعالى: +قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" [آل عمران:31]. ففي هذه الآية إشارة ضمنية إلى وجوب محبة النبي (ص)، لأن الله تبارك وتعالى قد جعل برهان محبته تعالى ودليل صدقها هو أتباع النبي (ص)، وهذا الأتباع لا يتحقق ولا يكون إلا بعد الإيمان بالنبي (ص)، والإيمان به لابد من تحقق شروطه التي منها محبة النبي (ص)، فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (ص) قال: «فوالذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده»([10]) ومما لا ريب فيه أن حظ الصحابة من حبه (ص) كان أتم وأوفر، ذلك أن المحبة ثمرة المعرفة، وهم بقدره (ص) ومنزلته أعلم وأعرف من غيرهم، فبالتالي كان حبهم له (ص) أشد وأكبر([11])، وقد سئل أمير المؤمنين على رضي الله عنه: كيف كان حبكم لرسول الله (ص)؟ قال: كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ([12])، وهذه الخصوصية المطلقة ليست لأحد غير رسول الله (ص).

([1]) البداية والنهاية (7/262).
([2]) صحيح سنن ابن ماجة (1/13) قال الألباني: صحيح.
([3]) البخاري، ك العلم (1/46).
([4]) فتح الباري (1/425) باب من خص بالعلم قومًا دون قوم.
([5]) مسند أحمد (2/211) أحمد شاكر، إسناده صحيح.
([6]) صلاة الله تعالى: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء.
([7]) تفسير ابن كثير (3/508)، منهج على بن أبى طالب في الدعوة: ص(129).
([8]) صحيح سنن الترمذي (3/177) صحيح.
([9]) تفسير القرطبي (8/95).
([10]) البخاري رقم 4فتح الباري (1/58).
([11]) حقوق النبي على أمته (1/314).
([12]) الشفا (2/568) للقاضي عياض.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال