الحسين بن على رضي الله عنه.. حسين مني وأنا من حسين، اللهم أحب من أحب حسينًا، حسين سبط من الأسباط. أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين وجعل ينكت بالقضيب ثناياه

هو أبو عبد الله الحسين بن على بن أبى طالب، سبط رسول الله (ص)، وريحانته ومحبوبه، ابن بنت رسول الله، فاطمة رضي الله عنها، كان مولده سنة 4هـ، وقيل غير ذلك، ومات رضي الله عنه قتيلاً شهيدًا، في يوم عاشوراء من شهر المحرم سنة إحدى وستين هجرية بكربلاء من أرض العراق، فرضي الله عنه وأرضاه([1]), وقد وردت في مناقبة وفضائله أحاديث كثيرة منها:
1- ما رواه أحمد بإسناده إلى يعلي العامرى رضي الله عنه أنه خرج مع رسول الله (ص) -يعني إلى طعام دعوا له- قال: فاستمثل رسول الله (ص) أمام القوم، وحسين مع غلمان يلعب فأراد رسول الله × أن يأخذه فطفق الصبي يفر هنا مرة وها هنا مرة، فجعل النبي (ص) يضاحكه حتى أخذه قال: فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه ووضع فاه وقبله وقال: «حسين مني وأنا من حسين، اللهم أحب من أحب حسينًا، حسين سبط من الأسباط»([2]), وفي ذلك منقبة ظاهرة للحسين رضي الله عنه، إذا حث على محبته وكانه (ص) علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم فخصه بالذكر، وأكد على وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله: «أحب الله من أحب حسينًا» فإن محبته تؤدي لمحبة الرسول ومحبة الرسول (ص) من محبة الله»([3]).
ب- ومنها ما رواه البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أُتى عبيد الله ابن زياد([4]) برأس الحسين عليه السلام فجعل في طست، فجعل ينكت وقال في حسنه شيئًا، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله (ص) وكان مخضوبًا بالوسمة([5])([6]).
ج- وفي رواية أخرى عن أنس أيضًا قال: لما أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين جعل ينكت بالقضيب ثناياه يقول: لقد كان أحسبه قال جميلاً فقلت: والله لأسوءنك، إني رأيت رسول الله يلثم حيث يقع قضيبك. قال: فانقبض([7]). فالحديثان يدلان على فضل الحسين رضي الله عنه, وأنه كان أشبه أهل البيت به، ولكن قد يرد إشكال ولا سيما أنه قد تقدم في فضائل الحسن، أنه لم يكن أحد أشبه برسول الله (ص) من الحسن بن على، فيحدث التعارض، وقد أزال الإشكال والتعارض ابن حجر رحمه الله حيث جمع بينهما فقال: ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري في حياة الحسن لأنه يومئذ كان أشد شبهًا بالنبي (ص) من أخيه الحسين، وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه، أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه ما عدا الحسن، ويحتمل أن يكون كل منهما أشد شبهًا في بعض أعضائه، فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن على قال: الحسن أشبه النبي × ما بين الرأس إلى الصدر، والحسين أشبه النبي (ص) ما كان أسفل من ذلك([8]), فهذه بعض الأحاديث الواردة في الحسين رضي الله عنه وأرضاه.
3- ما ورد من أحاديث في مناقب مشتركة بين الحسن والحسين رضي الله عنهما:
أ- ما رواه البخاري بإسناده إلى ابن عمر أنه قد سأله رجل من العراق عن المحرِم يقتل الذباب، فقال رضي الله عنه: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله (ص) وقال النبي (ص):«هما ريحانتاي من الدنيا»([9]).
قال ابن حجر: والمعنى أنهما مما أكرمني الله وحباني به، لأن الأولاد يشمون ويقبلون فكأنهم من جملة الرياحين([10]).
ب- عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (ص): «من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني».يعني حسنًا وحسينًا([11]).
ج- وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) أبصر حسنًا وحسينًا فقال: «اللهم إني أحبهما فأحبهما»([12]).
د- عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله (ص): «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»([13]).
هـ- عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبى بريدة يقول: كان رسول الله (ص) يخطبنا فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله (ص) من على المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: صدق الله ورسوله +إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ" نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثى ورفعتهما([14]).
و- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (ص) كان يعوذ الحسن والحسين: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، هكذا كان إبراهيم يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق»([15]).وهذا الحديث لا يتعارض مع ما رواه سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه، قال: سمعت النبي (ص) يقول: «لا هامة»([16]) وما رواه أبو هريرة عن رسول الله (ص) في قوله: «لا هام، لاهام»([17]), وقوله (ص): «لا عدوى ولا صفر ولا هامة»([18]), فقد أجاب أبو جعفر الطحاوى بقوله: ففي هذه الأحاديث نفيه الهامة ونفي وجودها، فكيف يجوز أن يعوذهما من معدوم؟ فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه: أن الهامة التي عوذهما (ص) منها هو هوام الأرض التي يخاف غوائلها، والهامة التي نفاها هي خلافها، وهي ما كانت العرب تقوله في موتها، فمن ذلك ما رثى به لبيد أخاه أربد([19]) بقوله:
فليس الناس بعدك في نقير     ولاهُمْ غيرُ أصداء وهام
ومن ذلك قول أبى داود الأياديَّ:
سُلِّط الموت والمنون عليهم     فلهم في صدى المقابر هام
فنفى رسول الله (ص) ذلك كما في حديث أبى هريرة الذي رويناه، وأما الهامة التي عوذ منها حسنًا وحسينًا، فهي موجودة وهي هوام الأرض المخوفة وهي مشددة الميم، والهامة التي نفاه مخففة الميم، فليست منها في شيء([20]).

([1]) البداية والنهاية (8/152)، الإصابة (1/331- 334).
([2]) فضائل الصحابة رقم 1361، إسناده حسن.
([3]) تحفة الأحوذى (10/279).
([4]) قُتل عبيد الله عام 76هـ، الإعلام (4/193).
([5]) الوسمة بكسر السين وقد تسكن: نبت، وقيل شجر باليمن يخضب بورقه الشعر.
([6]) البخاري رقم 3748.
([7]) فضائل الصحابة (2/985) رقم 1397إسناده حسن، مجمع الزوائد (9/195).
([8]) فضائل الصحابة رقم 1366إسناده صحيح.
([9]) البخاري رقم 3753.
([10]) فتح الباري (10/427).
([11]) صحيح سنن أبى داود (2/29)، فضائل الصحابة رقم 1359.
([12]) صحيح سنن الترمذي (3/226)، سنن الترمذي رقم 3782.
([13]) مجمع الزوائد (9/184)، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة (2/448).
([14]) فضائل الصحابة رقم 1358إسناده صحيح.
([15]) البخاري رقم 3371.
([16]) صحيح ابن حبان رقم 6127 إسناده قوى، الطبراني 11764.
([17]) شرح مشكل الآثار (7/328) إسناده صحيح.
([18]) مسلم رقم (2220).
([19]) شرح مشكل الآثار (7/329).
([20]) شرح مشكل الآثار (7/330).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال