الإمام علي (ض) ووجوب طاعة النبي (ص) ولزوم سنته والمحافظة عليها.. ألا إني لست بنبي ولا يوحى إلىَّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة محمد (ص) ما استطعت

تربي أمير المؤمنين علىّ على وجوب طاعة رسول الله (ص)، فهو ممن قرأ وحفظ وفهم قوله الله تعالى: +مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ" [النساء:80]، فهذه الآية ضمن سلسلة من الآيات ربطت بين طاعة الله تبارك وتعالى وطاعة الرسول (ص)، فقد جعل الله طاعته وطاعة رسوله شيئًا واحدًا، وجعل الأمر بطاعة رسوله مندرجًا في الأمر بطاعته سبحانه وتعالى، وفي ذلك بيان للعباد بأن طاعته سبحانه لا تتحقق إلا بطاعة الرسول (ص)، والآيات الواردة بهذا المعنى كثيرة، ([1]) وقد تربى أمير المؤمنين على يدي رسول الله (ص)، وعلم منه وجوب طاعته وامتثال أمره واتباع ما جاء به والسير على سنته والاقتداء به في كل ما جاء به عن ربه عز وجل، وأحاديثه (ص) في هذا المجال أعطت للأمة توجيهات عظيمة متى ساروا عليها وامتثلوا ما فيها واستناروا بها، فقد تحققت لهم سعادة الدارين وفازوا وأفلحوا بإذن الله تعالى، وقد امتازت الأحاديث في هذا الشأن بكثرتها وتنوع عباراتها وتعدد أساليبها واشتمال بعضها على الأمثلة التي ضربها رسول الله (ص) لأمته في هذا الشأن، ومما لا شكل فيه أن هذه المميزات زادت الأمر توكيدًا وتوضيحًا وبيانًا، بحيث إنها لم تدع مجالاً لمتأول يؤولها أو محرف يغير معناها بهواه ورأيه الفاسد، وهذه الأحاديث على تنوع عباراتها وتعدد أساليبها اتحدت جميعها في مضمون واحد وهو التأكيد على وجوب طاعته (ص)، واتباع ما جاء به من الترغيب في ذلك إضافة إلى التحذير من مخالفته، وتحريم معصيته وبيان الوعيد الشديد في ذلك([2])، فمن هذه الأحاديث قوله (ص): «كل أمتى يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»([3]), طاعة الرسول × هى الانقياد لسنته، مع رفض قول كل من قال شيئًا في دين الله عز وجل بخلاف سنته، دون الاحتيال في دفع السنن بالتأويلات المضمحلة والمخترعات الداحضة([4]).
وقد كان أمير المؤمنين على من أحرص الصحابة على طاعة رسول الله (ص)، فقد قال رضي الله عنه: «ما كنت لأدع سنة النبي (ص) لقول أحد»([5])، وقال أيضًا: «ألا إني لست بنبي ولا يوحى إلىَّ، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة محمد (ص) ما استطعت».وهو نموذج فريد بالتمسك بالسنة والالتزام بها والدعوة لها([6])، ومن هذا المفهوم والتصور الواضح لأهمية طاعة الرسول × واتباع سنته انطلقت أفعال أمير المؤمنين على رضي الله عنه. وكان رضي الله عنه يعتني بالسنة ويتحرى ويتثبت في روايتها وفي أخذها رضي الله عنه، فقد قال رضي الله عنه: «إذا حدثتكم عن رسول الله×، فلئن أخرَّ من السماء أحَبُّ إلىَّ من أكذب عليه»([7]), وقال رضي الله عنه: «كنت إذا سمعت من رسول الله × حديثًا نفعني الله بما شاء منه، وإذا حدثني عنه غيري استحلفته، فإذا حلف لي صدقته»([8]).
وكان أمير المؤمنين على رضي الله عنه يحارب ما يناقض الاتباع، فقد قال رضي الله عنه: «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه».

([1]) حقوق النبي على أمته (1/74).
([2]) حقوق النبي على أمته (1/86).
([3]) البخاري رقم (7280).
([4]) صحيح ابن حبان (1/153).
([5]) فتح الباري (3/421).
([6]) الشفا للقاضي عياض (2/556).
([7]) فتح الباري (6/158).
([8]) سنن ابن ماجة رقم (1395).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال