تقديم علي رضي الله عنه لأبى بكر.. لا يفضلني أحد على أبى بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى. من فارق الجماعة شبرًا، فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه

تواترت الأخبار عن على رضي الله عنه في تفضيله وتقديمه لأبى بكر رضي الله عنه، فمن ذلك:
1- عن محمد ابن الحنفية قال: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله (ص)؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر، وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين([1]).
2- عن على رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر. ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبى بكر: عمر([2]).
3- عن أبى وائل شقيق بن سلمة قال:قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا تستخلف علينا؟ قال: ما استخلف رسول الله (ص) فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم([3]).
4- وقال علي رضي الله عنه: لا يفضلني أحد على أبى بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى([4]).
5- قول علي لأبى سفيان رضي الله عنهما: إنا وجدنا أبا بكر لها أهلاً.
وهناك آثار يستأنس بها في إيضاح العلاقة الطيبة بين على وأبى بكر منها:
(أ) عن عقبة بن الحارث قال: خرجت مع أبى بكر الصديق من صلاة العصر بعد وفاة النبي (ص) بليال وعلى يمشى إلى جنبه، فمر بحسن بن على يلعب مع غلمان، فاحتملهن على رقبته وهو يقول:
بأبى يشبه النبي  ليس شبيهًا بعلي
قال: وعلي يضحك([5]).
(ب) وعن على رضي الله عنه قال: «من فارق الجماعة شبرًا، فقد نزع ربقة الإسلام من عنقه([6])» فهل كان على يفعل ذلك؟ كان رضي الله عنه يكره الاختلاف ويحرص على الجماعة. قال القرطبي: من تأمل ما دار بين أبى بكر وعلى من المعاتبة ومن الاعتذار، وما تضمن ذلك من الاتفاق عرف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشري قد يغلب أحيانًا، لكن الديانة ترد بذلك - والله الموفق-([7]).
وأما ما قيل من تخلف الزبير بن العوام عن البيعة لأبى بكر، فإنه لم يرد من طريق صحيح، بل ورد ما ينفي هذا القول، ويثبت مبايعته في أول الأمر، وذلك في أثر أبى سعيد الصحيح وغيره من الآثار([8]).
(ج) قال ابن تيمية: وقد تواترت عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه أنه قال: «خير الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر»، وقد روى هذا عنه من طرق كثيرة قيل إنها تبلغ ثمانين طريقًا، وعنه أنه يقول: «لا أوتى بأحد يفضلني على أبى بكر وعمر إلا جلدته حد المفترى»([9]). وقال أيضًا: ولم يقل قط أني أحق بهذا - أي الخلافة - من أبى بكر ولا قاله أحد من بعينه أن فلانًا أحق بهذا الأمر من أبى بكر، وإنما قال من فيه أثر لجاهلية عربية أو فارسية إن بيت الرسول أحق بالولاية لأن العرب في جاهليتها كانت تقدم أهل الرؤساء، وكذلك الفرس يقدمون أهل بيت الملك، فنقل عمن نقل عنه كلام يشير به إلى هذا([10]).
(د) تسمية أبى بكر بالصديق وشهادة على له بالسبَّاق والشجاعة:عن يحيى بن حكيم ابن سعد قال: سمعت عليًا رضي الله عنه يحلف: لله أنزل اسم أبى بكر من السماء، الصديق([11]), وعن صلة بن زفر العبسى قال: كان أبو بكر إذا ذكر عند على قال: السبَّاق تذكرون والذي نفسي بيده ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا إليه أبو بكر([12]), وعن محمد بن عقيل بن أبى طالب قال: خطبنا على فقال: أيها الناس من أشجع الناس؟ قلنا: أنت يا أمير المؤمنين. قال ذاك أبو بكر الصديق إنه لما كان في يوم بدر وضعنا لرسول الله العريش([13]) فقلنا: من يقم عنده لا يدنو إليه أحد من المشركين؟ فما قام عليه إلا أبو بكر، وإنه كان شاهرًا السيف على رأسه كلما دنا إليه أحد هوى إليه أبو بكر بالسيف، ولقد رأيت رسول الله وأخذته قريش عند الكعبة فجعلوا يتعتعونه ويترترونه([14]) ويقول: أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، فوالله ما دنا إليه إلا أبو بكر ولأبي بكر يومئذ ضفيرتان([15]), فأقبل يجأ([16]) هذا، ويدفع هذا، ويقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم.. وقطعت إحدى ضفيرتي أبى بكر، فقال على لأصحابه: ناشدتكم الله أي الرجلين خير، مؤمن آل فرعون أم أبو بكر؟ فأمسك القوم، فقال على: والله ليوم من أبى بكر خير من مؤمن آل فرعون، ذلك رجل كتم إيمانه فأثنى الله عليه، وهذا أبو بكر بذل نفسه ودمه لله([17]).

([1]) البخاري.
([2]) مسند أحمد (1/106، 110، 127) صحح أحمد شاكر معظم طرق الأحاديث.
([3]) المستدرك (3/79) صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
([4]) فضائل الصحابة (1/83) في سنده ضعف.
([5]) مسند أحمد (1/170) إسناده صحيح تحقيق أحمد شاكر.
([6]) مصنف ابن أبى شيبة (15/24) من مرسل أبى طاق الأزدي وهو صدوق ورجال الإسناد ثقات، خلافة أبي بكر الصديق: ص(80).
([7]) فتح البارى (7/495).
([8]) خلافة أبى بكر الصديق، عبد العزيز سليمان: ص (81).
([9]) منهاج السنة (3/162).
([10]) منهاج السنة (3/26)، مرويات أبى مخنف: ص(309).
([11]) المعجم الكبير للطبراني (1/95) رجاله ثقات قاله الحافظ في الفتح.
([12]) الطبراني في الأوسط (7/207، 208) إسناده ضعيف.
([13]) العريش: ما يستظل به وجمعه عروش وعُرش.
([14]) يترترونه: الترترة: تحريك الشيء.
([15]) ضفيرتان: عقيصتان.
([16]) يجأ: الوجأ: اللكز.
([17]) المستدرك (3/67) صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاء ووافقه الذهبي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال