إسلام علي بن أبي طالب.. أراد محمد (ص) أن يرد الجميل والمعروف لعمه أبى طالب الذي كفله بعد وفاة جده عبد المطلب فتكلف بتربيته

كان من نعمة الله عز وجل على علىّ بن أبى طالب وما صنع الله له وأراد به من الخير أن قريشًا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله (ص) للعباس عمه - وكان من أيسر بنى هاشم-: يا عباس، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد ترى ما أصاب الناس من هذه الأزمة، فانطلق بنا فلنخفف عنه عياله، آخذ من بيته واحدًا وتأخذ واحدًا، فنكفيهما عنه، فقال العباس: نعم.. فانطلق حتى أتيا أبا طالب، فقالا له: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما: إن تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول الله (ص) عليًا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرًا رضي الله عنه فضمه إليه، فلم يزل على بن أبى طالب رضي الله عنه مع رسول الله (ص) حتى بعثه الله نبيًا، فاتبعه علىّ، فأقر به وصدقه، ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه ([1]).
ونلاحظ أن رسول الله (ص) أراد أن يرد الجميل والمعروف لعمه أبى طالب الذي كفله بعد وفاة جده عبد المطلب، فكان هذا من أكبر نعم الله عز وجل على علىّ رضي الله عنه، إذ رباه وأدبه الذي أدبه الله، عز وجل، وحفظه وعصمه ورعاه، والذي كان خلقه القرآن، فانعكس هذا الخلق القرآني على علىّ رضي الله عنه، وكفى بتربية النبي (ص) تربية لعلى رضي الله عنه، فقد نشأ في بيت الإسلام وتعرف إلى أسراره في مرحلة مبكرة من حياته، وذلك قبل أن تتخطى الدعوة حدود البيت وتنطلق إلى البحث عن أنصار يشدون أزرها وينطلقون بها في دنيا الناس، ويخرجونهم من الظلمات إلى النور، وقد اختلف العلماء فيمن آمن بعد السيدة خديجة بنت خويلد أم المؤمنين، هل هو أبو بكر الصديق أم على رضي الله عنهما؟ والذي أميل إليه من بين أقوال العلماء، أن أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان على، ومن النساء خديجة، وهي أول من آمن على الإطلاق، ومن الموالي زيد بن حارثة رضوان الله عليهم ([2]), وبهذا يكون أمير المؤمنين أول الصغار إسلامًا.
كيف أسلم علي؟
روى ابن إسحاق أن على بن أبى طالب رضي الله عنه جاء إلى النبي (ص) بعد إسلام خديجة رضي الله عنها، فوجدهما يصليان، فقال على: ما هذا يا محمد؟ فقال النبي (ص): «دين الله الذي اصطفاه لنفسه، وبعث به رسله، فأدعوك إلى الله وحد وإلى عبادته، وتكفر باللات والعزى» فقال له على: هذا أمر لم أسمع به من قبل اليوم، فلست بقاض أمرًا حتى أحدث أبا طالب، فكره رسول الله (ص) أن يفشى عليه سره، قبل أن يستعلن أمره، فقال له: «يا على إذا لم تسلم فاكتم»، فمكث على تلك الليلة، ثم إن الله أوقع في قلب على الإسلام، فأصبح غاديًا إلى رسول الله (ص)، حتى جاءه فقال: ما عرضت علىَّ يا محمد؟ فقال له رسول الله (ص): تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتكفر باللات والعزى، وتبرأ من الأنداد، ففعل علىّ وأسلم، ومكث علىّ يأتيه على خوف من أبى طالب، وكتم على إسلامه ولم يظهر به([3]).
([1]) السيرة النبوية (1/246) لابن هشام.
([2]) البداية والنهاية (3/26- 28)، الأوائل من الصحابة وذوو الفضل منهم والنجابة، رضوان جامع ص (23).
([3]) البداية والنهاية (3/4).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال