تبليغ الإمام علي بن أبي طالب (ض) تفسير رسول الله لبعض آيات القرآن الكريم.. أهل السعادة هم الذين يعملون المأمور ويتركون المحظور

استفاد على رضي الله عنه من تفسير رسول الله (ص)، وبلغ ما تعلم من رسول الله للناس وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
(أ) قوله تعالى: +وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ" [الواقعة: 82]: عن على رضي الله عنه عن النبي (ص) قال: +وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ" قال: شكركم أنكم تكذبون، مُطرنا بنوء كذا وكذا، بنجم كذا وكذا ([1]).
(ب) فكل ميسر لما خلق له:عن على - رضي الله عنه- قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله (ص) فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: «ما منكم من أحد، من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، ألا وقد كتبت شقية أو سعيدة»، فقال رجل: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، فقال: «اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فسييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فسييسرون إلى عمل أهل الشقاوة»، ثم قرأ +فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى `وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ` فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ` وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى  `وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ` فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى"([2]): [الليل: 5- 10]، وفي رواية: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة سيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة سيصير إلى عمل أهل الشقاوة([3]).
وفي رواية في الصحيحين عن على قال: كان رسول الله (ص) ذات يوم وفي يده عود ينكت به فرفع رأسه فقال: «ما منكم من نفس إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار» فقالوا: يا رسول الله فِلمَ نعمل؟، أو لا نتكل؟، فقال: لا..اعملوا، فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ: +فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى  ` وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى` فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ` وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى ` وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى` فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى"([4]) [الليل: 5-10]. فقد أخبر النبي (ص) في هذه الأحاديث وغيرها بما دل عليه القرآن الكريم من أن الله - سبحانه وتعالى - تقدم علمه وكتابه وقضاؤه بما سيصير إليه العباد من السعادة والشقاوة كما تقدم علمه وكتابه بغير ذلك من أحوال العباد وغيرهم([5])، قد بين النبي (ص) أن ذلك لا ينافي وجود الأعمال التي بها تكون السعادة أو الشقاوة، وأن من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فإنه ييسر لعمل أهل الشقاوة، وقد نهي أن يتكل الإنسان على القدر السابق ويدع العمل، ولهذا كان من اتكل على القدر السابق وترك ما أمر به من الأعمال هو من الأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا، وكان تركهم لما يجب عليهم من العمل من جملة المقدور الذي يسروا به لعمل أهل الشقاوة، فإن أهل السعادة هم الذين يعملون المأمور ويتركون المحظور، فمن ترك العمل الواجب الذي أمر به وفعل المحظور متكلاً على القدر، كان من جملة أهل الشقاوة والميسرين لعمل أهل الشقاوة، وهذا الجواب الذي أجاب به النبي (ص) وتعلمه على بن أبى طالب رضي الله عنه وأصحاب النبي في غاية السداد والاستقامة ([6]).

([1]) الموسوعة الحديثية رقم 849حسن لغيره.
([2]) البخاري رقم(1362).
([3]) البخاري رقم (6605).
([4]) البخاري رقم (6605)، الفتاوى (8/165).
([5]) الفتاوى (8/166).
([6]) مصنف عبد الرزاق (1744).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال