تخصيص العام في القرآن الكريم عند الإمام علي بن أبي طالب (ض).. الحكم في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بأن تعتد أبعد الأجلين

العام، هو اللفظ المستغرق لجميع ما يصلح له بوضع واحد دفعه واحدة من غير حصر([1])، وقاعدة العموم، كل لفظ عام باق على عمومه حتى يرد التخصيص([2])، وقد  يرد من الشارع ما يدل على قصر العام على بعض أفراده وهذا هو تخصيص العام([3]).
وقد ورد عن على رضي الله عنه ما يفيد قوله بتخصيص العموم، فقد سئل رضي الله عنه عن رجل له أمتان أختان وطئ إحداهما ثم أراد أن يطأ الأخرى قال: لا.. حتى يخرجهما من ملكه([4])، وعن ابن الكواء سأل عليًا عن الجمع بين الأختين فقال: حرمتهما آية وأحلتهما آية أخرى، ولست أفعل أنا ولا أهلي([5]). وقصد أمير المؤمنين على بالآية التي حرمتهما هي قوله وتعالى: +وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ" [النساء:23] وبالتي أحلتهما هي قوله تعالى: +إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" [المؤمنون:6] فهاتان الآيتان بينهما عموم وخصوص، إذ خصص عموم التمتع بملك اليمين بخصوص عدم جواز الجمع بين الأختين([6]).
ومنها أنه حكم في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها بأن تعتد أبعد الأجلين، فقال: عدتها أبعد الأجلين([7])، أي أنه خص عموم الآيتين +وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا" [البقرة: 234]، و + وَأُولاَتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ" [الطلاق:4]، فالحامل المتوفي عنها زوجها إذا وضعت حملها قبل الأربعة الأشهر والعشرة الأيام فإنها تكمل المدة ولا تعمل بعموم الآية الثانية؛ لأن الأولى تخصصها، وإن أكملت المدة فلا  تنقضي عدتها إلا بوضع الحمل؛ لأن عموم الآية الأولى مخصص بالثانية، فكل من الآيتين عام في وجه، وخاص في وجه آخر، تخصص إحداهما الأخرى عند على، ولعله عمل بالاحتياط جمعًا بين الآيتين([8])، ولكن الراجح أن عدتها وضع الحمل في كلتا الحالتين، فقد صح عن عبد الله بن عتبة أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة، وكان ممن شهد بدرًا، فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل، فقال لها، مالي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح؟ إنك والله ما أنت بنكاح حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك جمعت علىَّ ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله × فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزوج إن بدا لي([9]).
ولعل عليًا قال بذلك لعدم بلوغه حديث سبيعة وإلا فلا يخالف علىّ الصحيح الثابت عن النبي × ([10]).

([1]) تيسير علم أصول الفقه، عبد الله الجُديع: ص(262).
([2]) المصدر نفسه: ص(269).
([3]) المصدر نفسه: ص (269).
([4]) فقه الإمام على (1/560)نقلاً عن مصنف ابن أبى شيبة.
([5]) المصدر نفسه (2/560).
([6]) الأحكام للآمدى (2/445)، روضة الناظر (2/129).
([7]) الفصول في الأصول للجصاص (6/106).
([8]) فقه الإمام على (1/50).
([9]) مسلم رقم (1484).
([10]) فقه الإمام على (2/617).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال