النبي (ص) لا يورث في السنة والإجماع .. اتفاق أهل البيت الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله، إنهم ما كانوا يرون تملكها، إنما كانوا ينفقونها في سبيل الله

السنة والإجماع دلا على أن النبي (ص) لا يورث:
قال ابن تيمية: كون النبي (ص) لا يورث ثبت بالسنة المقطوع بها، وبإجماع الصحابة، وكل منها دليل قطعي، فلا يعارض ذلك بما يظن أنه عموم، وإن كان عمومًا فهو مخصوص، لأن ذلك لو كان دليلاً لما كان إلا ظنيًا فلا يعارض القطعي، إذ الظنى لا يعارض القطعي، وذلك أن هذا الخبر رواه غير واحد من الصحابة في أوقات ومجالس، وليس فيهم من ينكره، بل كلهم تلقاه بالقبول والتصديق، ولهذا لم يصر أحد من أزواجه على طلب الميراث، ولا أصرّ العمّ على طلب الميراث، بل لما طلب من ذلك شيئًا فأخبر بقول النبي (ص) رجع عن طلبه، واستمر الأمر على ذلك على عهد الخلفاء الراشدين إلى على، فلم يغير شيئًا ولا قسم له تركة([1]). قال ابن تيمية: قد تولى الخلافة (علي) بعد ذي النورين عثمان، وصار فدك وغيرها تحت حكمه، ولم يعط منها شيئًا لأحد من أولاد فاطمة ولا من زوجات النبي (ص) ولا ولد العباس، فلو كان ظلمًا وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية وجيوشه، أفتراه يقاتل معاوية مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم ولا يعطي هؤلاء قليلاً من المال، وأمره أهون بكثير([2]).
وبإجماع الخلفاء الراشدين على ذلك احتج الخليفة العباسي أبو العباس السفاح على بعض مناظريه في هذه المسألة على ما نقل ابن الجوزي في تلبيس إبليس قال: وقد روينا عن السفاح أنه خطب يومًا فقام رجل من آل على - رضي الله عنه - قال: إنا من أولاد على - رضي الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين أعني على من ظلمني. قال: ومن ظلمك؟ قال: أنا من أولاد علي - رضي الله عنه - والذي ظلمني أبو بكر - رضي الله عنه - حين أخذ فدك من فاطمة، وقال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام عبده؟ قال: عمر - رضي الله عنه - قال: ودام على ظلمكم. قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ قال عثمان - رضي الله عنه- قال: ودام على ظلمكم؟ قال: نعم، قال: ومن قام بعده؟ فجعل يلتفت كذا وكذا ينظر مكانًا يهرب منه([3]).
وبتصويب أبي بكر - رضي الله عنه - في اجتهاده صرَّح بعض أولاد علي من فاطمة * رضي الله عنهما- على ما روى البيهقي بسنده عن فضيل بن مرزوق قال: قال زيد بن على ابن الحسين بن على بن أبى طالب: أما لو كنت مكان أبي بكر، لحكمت بما حكم به أبو بكر في فدك([4]), كما نقل أبو العباس القرطبي اتفاق أهل البيت بدءًا بعلي - رضي الله عنه - ومن جاء بعده من أولاده، ثم أولاد العباس الذين كانت بأيديهم صدقة رسول الله، إنهم ما كانوا يرون تملكها، إنما كانوا ينفقونها في سبيل الله، قال- رحمه الله-: إن عليًا لما ولى الخلافة ولم يغيرها عما عمل فيها في عهد أبي بكر وعمر، وعثمان، ولم يتعرض لتملكها، ولا لقسمة شيء منها، بل كان يصرفها في الوجوه التي كان من قبله يصرفها فيها، ثم كانت بيد حسن بن على، ثم بيد حسين بن على، ثم بيد على بن الحسين، ثم بيد الحسين بن الحسن، ثم بيد زيد بن الحسين، ثم بيد عبد الله بن الحسين، ثم تولاها بنو العباس على ما ذكره أبو بكر البرقاني في صحيحه، وهؤلاء كبراء أهل البيت -ر ضي الله عنهم- وهم معتمدون عند الشيعة وأئمتهم، لم يرو عن واحد منهم أنه تملكها ولا ورثها ولا ورثت عنه، فلو كان ما يقوله الشيعة حقًا لأخذها على أو أحد من أهل بيته لما ظفروا بها([5]).
وقال ابن تيمية: قد تولى (علىّ) الخلافة بعد ذى النورين عثمان، وصارت فدك وغيرها تحت حكمه، ولم يعط منها شيئًا لأحد من أولاد فاطمة، ولا من زوجات النبي (ص)، ولا ولد العباس، فلو كان ظلمًا وقدر على إزالته لكان هذا أهون عليه من قتال معاوية وجيوشه، أفتراه يقاتل معاوية مع ما جرى في ذلك من الشر العظيم، ولا يعطي هؤلاء قليلاً من المال، وأمره أهون بكثير؟ ([6]).
وقال ابن كثير: وقد تكلمت الرافضة في هذا المقام بجهل، وتكلفوا ما لاعلم لهم به، وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، ولما يأتهم تأويله، وأدخلوا أنفسهم فيما لا يعنيهم([7]), فلو تفهموا الأمور على ما هي عليه لعرفوا للصديق فضله وقبلوا منه عذره الذي يجب على كل أحد قبوله، ولكنهم طائفة مخذولة، وفرقة مرذولة، يتمسكون بالمتشابهة، ويتركون الأمور المقررة عند أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين من بعدهم من العلماء المعتبرين في سائر الأعصار والأمصار، رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين([8]).

([1]) المصدر السابق (4/220).
([2]) المصدر السابق (6/347).
([3]) تلبيس إبليس: ص (135).
([4]) تاريخ المدينة لابن شبة (1/200)، البداية والنهاية (5/253).
([5]) المفهم للقرطبي (3/564).
([6]) منهاج السنة (6/347).
([7]) البداية والنهاية (5/253).
([8]) المصدر نفسه (5/251).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال