استشارة عمر لعلي رضي الله عنهما في أمور الجهاد وشؤون الدولة.. فتح المسلمين بيت المقدس. فتح المدائن. توجه عمر إلى نهاوند وقتال الفرس. وضع التقويم الهجري

كان علي رضي الله عنه المستشار الأول لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكان عمر يستشيره في الأمور الكبيرة منها والصغيرة، وقد استشاره حين فتح المسلمون بيت المقدس، وحين فتحت المدائن، وعندما أراد عمر التوجه إلى نهاوند وقتال الفرس، وحين أراد أن يخرج لقتال الروم، وفي وضع التقويم الهجري وغير ذلك من الأمور([1]), وكان على رضي الله عنه طيلة حياة عمر مستشارًا ناصحًا لعمر، محبًا له خائفًا عليه، وكان عمر يحب عليًا وكانت بينهما مودة ومحبة وثقة متبادلة، ومع ذلك يأبي أعداء الإسلام إلا أن يزوروا التاريخ، ويقصوا بعض الروايات التي تناسب أمزجتهم ومشاربهم ليصورا لنا فترة الخلفاء الراشدين عبارة عن أن كل واحد منهم كان يتربص بالآخر الدوائر لينقض عليه، وكل أمورهم كانت تجري من وراء الكواليس([2]).
إن من أبرز ما يلاحظه المتأمل في خلافة عمر تلك الخصوصية في العلاقة، وذلك التعاون المتميز الصافي، بين عمر وعلى، رضي الله عنهما، فقد كان على هو المستشار الأول لعمر في سائر القضايا والمشكلات، وما اقترح علىّ عمر رأيًا إلا واتجه عمر إلى تنفيذه عن قناعة، وكان على رضي الله عنه يمحضه النصح في كل شئونه وأحواله([3]), فمثلاً عندما تجمع الفرس بنهاوند في جمع عظيم لحرب المسلمين جمع عمر- رضي الله عنه - الناس واستشارهم في المسير إليهم بنفسه، فأشار عليه عامة الناس بذلك، فقام إليه على - رضي الله عنه- فقال: أما بعد، يا أمير المؤمنين، فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإنك إن أشخصت أهل اليمن إلى ذراريهم من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، وإنك إن أشخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات والعيالات، أقرر هؤلاء في أمصارهم، واكتب إلى أهل البصرة، فليتفرقوا ثلاث فرق، فرقة في حرمهم وذراريهم، وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتقضوا، ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددًا لهم. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدًا قالوا: هذا أمير العرب وأصلها، فكان ذلك أشد لكلبهم عليك، وأما ما ذكرت من مسير القوم، فإن الله هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ولكن بالنصر، فقال عمر: هذا هو الرأي كنت أحب أن أتابع عليه([4]).
كانت نصيحة على نصيحة المحب لعمر الغيور عليه، والضنين ألا يذهب، وأن يدير رحى الحرب بمن دونه من العرب وهو في مكانه، وحذره من أنه إذا ذهب، فلسوف ينشأ وراءه من الثغرات ما هو أخطر من العدو الذي سيواجهه، أرأيت لو أن رسول الله × أعلن أن الخلافة من بعده لعلي، أفكان لعلي أن يرغب عن أمر رسول الله (ص) هذا، وأن يؤيد المستلبين لحقه بل لواجبه في الخلافة بمثل هذا التعاون المخلص البناء؟ بل أفكان للصحابة، رضوان الله عليهم، كلهم أن يضيعوا أمر رسول الله (ص)؟ بل أفكان من المتصور أن يجمعوا وفي مقدمتهم على رضوان الله عليه على ذلك؟ بوسعنا أن نعلم إذن بكل بداهة، أن المسلمين إلى هذا العهد – نهاية عهد عمر – بل إلى نهاية عهد على كانوا جماعة واحدة، ولم يكن في ذهن أي من المسلمين أي إشكال بشأن الخلافة، أو شأن من هو أحق بها([5]).
إن كثرة مشاورة عمر لعلي، رضي الله عنهما، وغيره من الصحابة، لا يعني هذا أنه دونهم في الفقه والعلم، فقد بينت الأحاديث الصحيحة التي تدل على علو علمه، واكتمال دينه، ولكن إيمانه وحبه للشورى، وتعويده للحكام فيما بعد على المشاورة، وعدم الاستبداد بالأمر والراي، وإلا فإن عليًا رضي الله عنه كان كثيرًا ما يرجع عن رأيه إلى رأي عمر([6]), فقد جاء عن عائشة، رضي الله عنها، في معرض حديثها عن عمر قولها: وقد كان على رضي الله عنه يتابع عمر بن الخطاب، فيما يذهب إليه ويراه، مع كثرة استشارته عليًا، حتى قال على رضي الله عنه: يشاورني عمر في كذا، فرأيت كذا، ورأي هو كذا، فلم أر إلا متابعة عمر([7]).

([1]) على بن أبي طالب مستشار أمين للخلفاء الراشدين: ص(99).
([2]) المصدر نفسه: ص(138).
([3]) فقه السيرة النبوية للبوطي: ص 529.
([4]) تاريخ الطبري(3/480)، تحقيق مواقف الصحابة (2/94).
([5]) فقه السيرة للبوطي: ص(295).
([6]) خلافة على بن أبي طالب، عبد الحميد على: ص(77).
([7]) الإمامة والرد على الرافضة للأصبهاني: ص(295).
أحدث أقدم

نموذج الاتصال