ترشيح علي مع أهل الشورى:
لما طُعن عمر رضي الله عنه وظن أنه سيفارق الحياة، وأخذ المسلمون يدخلون عليه، ويقولون له: أوصِ يا أمير المؤمنين، استخلف، فقال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر - أو الرهط- الذين توفى رسول الله (ص) وهو عنهم راض فسمى عليًا، وعثمان، والزبير وطلحة وسعدًا وعبد الرحمن([1]), ثم دعا خاصتهم وهم عبد الرحمن، وعثمان، وعلى فوعظهم([2]), إن عمر رضي الله عنه إمام وعليه أن يستخلف الأصلح للمسلمين، فاجتهد في ذلك ورأى أن الستة الذين توفي رسول الله (ص) وهو عنهم راض أحق من غيرهم، وهو كما رأى، فإنه لم يقل أحد أن غيرهم أحق منهم، وجعل التعيين إليهم خوفًا أن يعين واحدًا منهم، ويكون غيره أصلح لهم، فإنه ظهر له رجحان الستة دون رجحان التعيين، وقال: الأمر في التعيين إلى الستة يعينون أحدًا منهم، وهذا اجتهاد إمام عادل ناصح لا هوى له رضي الله عنه، وهو نموذج واقعي لتطبيق قول الله تعالى: +وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" [الشورى:38] وقال: +وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ" [آل عمران: 159]، فكان ما فعله من الشورى مصلحة([3]).
إن الفاروق رضي الله عنه رأى الأمر في الستة متقاربًا فإنهم وإن كان لبعضهم من الفضيلة ما ليس لبعض، فلذلك المفضول مزية أخرى ليست للآخر، ورأى أنه إذا عين واحدًا فقد يحصل بولايته نوع من الخلل فيكون منسوبًا إليه، فترك التعيين خوفًا من الله تعالى، وعلم أنه ليس واحد أحق بهذا الأمر منهم فجمع بين المصلحتين، بين تعيينهم إذ لا أحق منهم، وترك تعيين واحد منهم لما تخوفه من التقصير، والله تعالى قد أوجب على العبد أن يفعل المصلحة بحسب الإمكان، فكان ما فعله غاية ما يمكن من المصلحة([4])، ولا يقال إنه بجعله الأمر شورى بين الستة قد خالف به من تقدمه كما هو زعم الشيعة الرافضة، لأن الخلاف نوعان، خلاف تضاد وخلاف تنوع، وما فعله عمر - رضي الله عنه - من النوع الثاني([5]), وقد أقره على اجتهاده كل الصحابة ولم نسمع أحدًا عارضه.
([1]) البداية والنهاية (7/142).
([2]) البخاري رقم 3700.
([3]) منهاج السنة (3/162- 164)، المنتقى: ص (362- 364).
([4]) منهاج السنة (3/162- 164)، المنتقى: ص(362- 364).
([5]) عقيدة أهل السنة (2/1042).
التسميات
علي والخلفاء الراشدون