من الأخلاق القرآنية التي تجسدت في شخصية أمير المؤمنين على بن أبي طالب- رضي الله عنه- خلق التواضع، قال الله تعالى: +وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً" [الإسراء:37]، وقول تعالى: +وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍوَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ" [لقمان:18، 19].
وفي آية الإسراء دعوة واضحة إلى التحلي بمكارم الأخلاق من التواضع واللين، ومعرفة قدر النفس، والنهي الصريح عن رعونات النفس من الكبر والبطر والأشر والاحتقار للناس، والأمر بضده وهو التواضع والقصد من الأمور صراحة بعد أن علم بالمفهوم من النهي السابق، وذيَّل الله تعالى النهي والأمر بما ذيل به النهي السابق من عدم رضاه وشدة سخطه على من اتصف بتلك الصفات، فقال سبحانه: +إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" [لقمان:18]، فعدم محبته لمن كان كذلك، يعني بغضه له، كما دلت عليه الآية السابقة، وفي هذا من الحث علىالتواضع ما فيه الكفاية للمؤمن([1]), غير أن القرآن الكريم لم يقتصر على ذلك، بل نوه بالمتواضع أيما تنويه حيث قال الله جل ذكره: +وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا" [الفرقان:63].
وهذا تنويه عظيم بالمتواضعين حيث وصفهم بالعبودية له، وذلك أعظم تشريف لهم، لأن العبودية له، سبحانه، هى أشرف الأوصاف، ومن أعلى مراتب المحبين، وبذلك يتفاخرون ولذلك يقول الشاعر:
ومما زادني شرفًا وتيهًا وكدت بأخمصى أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيًا([2])
وكان نبينا محمد (ص) في ذروة الذرا من هذا الخلق العظيم في كل صوره وأشكاله، ولا غرابة في ذلك فهو الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، وكان مما أدبه الله تعالى به في هذا الخلق قوله سبحانه وتعالى: +لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ" [الحجر:88] وقوله تعالى: +وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" [الشعراء:215]. وخفض الجناح كناية عن التواضع لهم والرفق بهم([3])، وقد قام النبي (ص) بذلك حق القيام، وظهر أثر التواضع في كل أحواله الذاتية والاجتماعية والأسرية، وفي كل زمان ومكان بحيث لا يخلو حال من أحواله (ص) عن التواضع لله تعالى والمؤمنين([4]), وقد تأثر أمير المؤمنين على – رضي الله عنه – بالتربية القرآنية الكريمة، والتربية النبوية الرشيدة، فكانت هذه الصفة متجسدة في شخصيته الفذة، وإليك بعض المواقف:
([1]) أخلاق النبي في القرآن والسنة، أحمد الحداد (1/454).
([2]) المصدر نفسه (1/455).
([3]) روح المعاني للألوسى (5/80).
([4]) أخلاق النبي في القرآن والسنة (1/459).
التسميات
علي بن أبي طالب