قامت القرائن العملية والأدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين على في علاقته مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع نقله، وقد نقلنا منه الكثير فيما مضى ما يثبت المحبة الصادقة والإخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة، والصفوة من جيل الصحابة، رضوان الله عليهم، وتأتي في مقدمة هذه الأدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين على ابنته أم كلثوم لأمير المؤمنين عمر([1]), فإذا كان عمر فاروق هذه الأمة قد صار عند الشيعة الروافض أشد كفرًا من إبليس، أفلا يرجعون إلى عقولهم ويتدبرون فساد ما ينتهي إليه مذهبهم؟ إذ لو كان أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما، كافرين كما يفترون لكان على بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر، رضي الله عنه، كافرًا أو فاسقًا معرضًا بنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض([2]), والعاقل المنصف البريء من الغرض، الصادق في محبته للنبي (ص) وأهل بيته واتباعه لهم لا يملك إلا الإذعان لهذه الحقيقة، حقيقة الولاء والحب بين الخلفاء الأربعة، رضوان الله عليهم، ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد بن بويه- وكان رافضيًا يشتم صحابة رسول الله – إن عليًا- رضي الله عنه – زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب، استعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا، وتاب وتصدق بأكثر ماله وأعتق مماليكه ورد كثيرًا من المظالم وبكى حتى غشى عليه([3]), لشعوره بعظم جرمه فيما سلف من عمره، الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلاء الأطهار مغترًا بشبهات الروافض([4]), وقد حاول شيوخ الشيعة الروافض إبطال مفعول هذا الدليل فوضعوا روايات مكذوبة على لسان الأئمة تقول: ذلك فرج غصبناه([5]), فزادوا الطين بلة، حتى صوروا أمير المؤمنين في صورة «الديوث» الذي لا ينافح عن عرضه، ويقر الفاحشة في أهله، وهل يتصور مثل هذا في حق أمير المؤمنين على بطل الإسلام؟ إن أدنى العرب ليبذل نفسه دون عرضه، ويقتل دون حرمه، فضلا عن بنى هاشم الذين هم سادات العرب وأعلاها نسبًا وأعظمها مروءة وحمية، فكيف يثبتون لأمير المؤمنين وابنته حفيدة رسول الله (ص) مثل هذه المنقصة الشنيعة، وهو الشجاع الصنديد، ليث بنى غالب، أسد الله في المشارق والمغارب([6]).
ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه، فرام التخلص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب، حيث زعم أن أم كلثوم لم تكن بنت على ولكنها جنية تصورت بصورتها([7]), فأتوا بما يستخف به أصحاب العقول ويستطيع كل من أراد أن يدعي على من يكرهه بأنه جني أو جنية، وهكذا يعيش الناس في الخرافات وتضيع الحقيقة.
ومن القرائن أيضا علاقات القربى القائمة بينهم، ووشائج الصلة، وكذلك مظاهر المحبة، حتى إن عليًا والحسن والحسين- كما مر معنا- يسمون بعض أولادهم باسم أبي بكر وعمر، وهل يطيق أحد أن يسمى أولاده بأسماء أشد أعدائه كفرًا وكرهًا له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردد في أرجاء بيته يرددها مع أهله في يومه مرات وكرات([8]).
إن أمير المؤمنين عليًا – رضي الله عنه – لا يحفظ عنه الصحابة ومن تبعهم من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين إلا محبة أبي بكر وعمر وعثمان – رضي الله عنهم – في حياتهم، وفي خلافتهم وبعد وفاتهم، فأما في خلافتهم فسامع لهم مطيع، يحبهم ويحبونه، ويعظم قدرهم ويعظمون قدره، صادق في محبتهم، مخلص في الطاعة لهم، يجاهد من يجاهدون، ويحب ما يحبون، ويكره ما يكرهون يستشيرونه في النوازل فيشير مشورة ناصح مشفق محب، فكثير من سيرتهم بمشورة جرت([9]), وهم يبادلونه نفس الشعور ويقال، إنه لا يجتمع حب أبي بكر وعمر وعثمان وعلى إلا في قلوب أتقياء هذه الأمة([10]), وقال سفيان الثوري: لا يجتمع حب عثمان وعلى رضي الله عنهما إلا في قلوب نبلاء الرجال([11]), وقال أنس بن مالك: قالوا: إن حب عثمان وعلى رضي الله عنهما لا يجتمعان في قلب مؤمن، كذبوا فقد جمع الله عز وجل حبهما بحمد الله في قلوبنا([12]).
([1]) أصول مذهب الشيعة (2/932).
([2]) المصدر نفسه (2/932).
([3]) المنتظم (7/38، 39).
([4]) أصول مذهب الشيعة (2/937).
([5]) فروع الكافي (2/10)، أصول مذهب الشيعة (2/937).
([6]) مؤتمر النجف للسويدي، ص (86) نقلاً عن أصول مذهب الشيعة (2/937).
([7]) الأنوار النعمانية (1/83، 84) نقلاً عن أصول مذهب الشيعة (2/938).
([8]) أصول مذهب الشيعة (2/938).
([9])الشريعة للآجرى (5/2312).
([10])الشريعة للآجرى (5/2312).
([11])حلية الأولياء (7/32).
([12])الشريعة للآجرى (5/2315)إسناده صحيح.
التسميات
علي والخلفاء الراشدون