يقول العقاد- وهو يتكلم عن اختيار الخليفة بعد مقتل عثمان-: وهذا الخبر- على وجازته- قد حصر لنا أسماء جميع المرشحين للخلافة بالمدينة بعد مقتل عثمان، وربما كان أشدهم طلبًا لها طلحة والزبير اللذين أعلنا الحرب على علىّ بعد ذلك، فقد كانا يمهدان لها في حياة عثمان، ويحسبان أن قريشًا قد أجمعت أمرها ألا يتولاها هاشمى، وأن عليًا وشيك ان يذاد عنها بعد عثمان كما ذيد عنها قبله، وكانت السيدة عائشة تؤثر أن تؤول الخلافة إلى واحد من هذين، أو إلى عبد الله بن الزبير، لأن طلحة من قبيلة تيم، والزبير زوج أختها أسماء، وفي تأييد السيدة عائشة لواحد منهم مدعاة أمل كبير في النجاح([1]).
وقال في موضع آخر: فمما لا شك فيه أن الإمام أنكر إجحافًا أصابه في تخطيه بالبيعة إلى غيره بعد وفاة ابن عمه صلوات الله عليه، وأنه كان يرى أن قرابته من النبي مزية ترشحه للخلافة بعده، لأنها فرع من النبوة على اعتقاده، وهم شجرة النبوة ومحط الرسالة، كما قال([2]).
وقال: فمن المعلوم أن عليًا كان يرى أنه أحق بالخلافة من سابقيه، وأنه لم يزل مدفوعا عن حقه هذا منذ انتقل النبي عليه السلام إلى الرفيق الأعلى([3]), وغير ذلك من الطامات والأكاذيب والإفك المبين التي تورط فيها العقاد بسبب الروايات الموضوعة، وسار على منهجه خالد محمد خالد في كتابه خلفاء الرسول ونقل عن على كلامًا مفترى، ذكر فيه أن أبا بكر وعمر قد اغتصبا الخلافة من على([4]), وجانب الصواب خالد البيطار في كتابه على ابن أبي طالب، عندما علق على موقف السيدة فاطمة من ميراث أبيها([5]), وموقف على من خلافة أبي بكر، وهذا مثال لفيلق طويل لا ينتهي خاض هذه المعمعة وخبط فيها والتي تدعي أن عليًا – رضي الله عنه – ذيد عن الخلافة بعد عثمان كما ذيد عنها قبله، وأن الصحابة كانوا يتآمرون لنيل الخلافة بدافع العصبية ضد بنى هاشم، أو لمطامع دنيوية، وأن عليا أنكر إجحافًا أصابه في تخطيه بالبيعة إلى غيره بعد وفاة النبي (ص)، وأنه كان يرى أنه أحق بالخلافة من سابقيه، وأن النبي (ص) مهّد لخلافته وحببه للناس بما أمَّره حينًا واستخلفه حينًا آخر، وأن ليس ثمة علاقة حميمة بين الإمام وبين الصحابة، وأنه غفر للشيخين تعديهما عليه بأخذ الخلافة، وأنه بايع الصدّيق بعد وفاة فاطمة، وكل هذا بهتان وزور، وكذب وافتراء يأباه الحق والعدل والإنصاف، وينكره التاريخ الصحيح، ويكذبه الكلام الصريح الذي صدر عن علي نفسه الذي سبق ذكره، فقد اعترف على بأفضلية الخلفاء، حينما كان هو الخليفة، فكان يعلن ذلك على المنبر ويتوعد من يفضله عليهم بالعقاب، وهذا ثابت بالأسانيد الصحيحة، وكان لهم ناصرًا ومعينًا، وعلاقته بهم وطيدة وشيجة لا تؤثر في رسوخها العواصف الهوج([6]) التي يثيرها من تورط في الروايات الضعيفة والأخبار الموضوعة من الكتاب الذين ذكرنا بعض نقولهم على سبيل المثال لا الحصر والسبب الذي أسقطهم في هذه الهوة هو جهلهم بمنهج أهل السنة والجماعة في كتابة التاريخ، وبعدهم عن التمييز بين المصادر الصحيحة والمصادر الساقطة، وعدم تفريقهم بين الروايات الصحيحة والروايات الضعيفة والموضوعة والاعتماد على الموضوعات في تحليلاتهم.
([1]) عبقرية على، ص(84).
([2]) المصدر نفسه، ص (148).
([3]) المصدر نفسه، ص(181).
([4]) خلفاء الرسول، ص (526، 527).
([5]) على بن أبي طالب: خالد البيطار، ص (84).
([6]) المصدر نفسه، ص (130).
التسميات
علي والخلفاء الراشدون