اشتد الحصار على عثمان رضي الله عنه، حتى منع من أن يحضر للصلاة في المسجد، وكان صابرًا على هذه البلوى التي أصابته كما أمره رسول الله (ص) بذلك، وكان مع إيمانه القوى بالقضاء والقدر، يحاول أن يجد حلاً لهذه المصيبة، فنراه تارة يخطب الناس عن حرمة دم المسلم، وأنه لا يحل سفكه إلا بحقه،ن وتارة يتحدث في الناس ويظهر فضائله وخدماته الجليلة في الإسلام، ويستشهد على ذلك ببقية العشرة رضوان الله عليهم، ([1]) وكأنه يقول: من هذا عمله وفضله هل من الممكن أن يطمع بالدنيا ويقدمها على الآخرة؟ وهل يعقل أن يخون الأمانة ويعبث بأموال الأمة ودمائها وهو يعرف عاقبة ذلك عند الله وهو الذي تربى على عين النبي (ص) والذي شهد له وزكاه وكذلك أفاضل الصحابة، أهكذا تكون معاملته؟!.
واشتدت سيطرة الثوار على المدينة حتى أنهم ليصلون بالناس في أغلب الأوقات([2]), وحينما أدرك الصحابة أن الأمر ليس كما حسبوا، وخشوا من حدوث ما لا يحمد عقباه، وقد بلغهم أن القوم يريدون قتله، فعرضوا عليه أن يدافعوا عنه، ويخرجوا الغوغاء عن المدينة، إلا أنه رفض أن يراق دم بسببه([3]), وأرسل كبار الصحابة أبناءهم دون استشارة عثمان، رضي الله عنه، ومن هؤلاء الحسن بن على رضي الله عنهما، وعبد الله بن الزبير حيث تذكر بعض الروايات ان الحسن حُمل جريحًا من الدار([4]), كما جرح غير الحسن، عبد الله بن الزبير، ومحمد بن حاطب، ومروان بن الحكم، كما كان معهم الحسين بن على وابن عمر رضي الله عنهما([5]), وقد كان على من أدفع الناس عن عثمان، رضي الله عنه، وشهد له بذلك مروان بن الحكم([6]), أقرب الناس إلى عثمان رضي الله عنه، وألصقهم به في تلك المحنة القاسية الأليمة، وقد أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، أن عليًا أرسل إلى عثمان فقال: إن معي خمسمائة دارع، فأذن لي، فأمنعك من القوم، فإنك لم تحدث شيئًا يستحل به دمك، فقال: جزيت خيرًا، ما أحب أن يهراق دم في سببي([7]), وقد وردت روايات عديدة تفيد وقوفه بجانب عثمان، رضي الله عنهما، أثناء الحصار، فمن ذلك: أن الثائرين منعوا عن عثمان الماء حتى كاد أهله أن يموتوا عطشًا، فأرسل على رضي الله عنه إليه بثلاث قرب مملوءة ماء، فما كادت تصل إليه، وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبنى أمية حتى وصلت([8]), ولقد تسارعت الأحداث فوثب الغوغاء على عثمان وقتلوه، رضي الله عنه، وأرضاه، ووصل الخبر إلى الصحابة وأكثرهم في المسجد، فذهبت عقولهم، وقال علي لأبنائه وأبناء إخوانه: كيف قتل عثمان وأنتم على الباب؟ ولطم الحسن، وكان قد جرح([9]) وضرب صدر الحسين، وشتم ابن الزبير وابن طلحة، وخرج غضبان إلى منزله ويقول: تبًا لكم سائر الدهر، اللهم إني أبرأ إليك من دمه أن أكون قتلت أو مالأت على قتله([10]), وهكذا كان موقف على رضي الله عنه، نصحًا وشورى، سمعًا وطاعة، وقفة قوية بجانبه أثناء الفتنة، ومن أدفع الناس عنه، ولم يذكره بسوء قط، يحاول الإصلاح وسد الخرق بين الخليفة والخارجين عليه، لكن الأمر فوق طاقته، وخارج إرادته، إنها إرادة الله عز وجل أن يفوز أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه بالشهادة([11]).
([1]) خلافة على بن أبي طالب، عبد الحميد على، ص (85).
([2]) سير أعلام النبلاء (3/515).
([3]) فتنة مقتل عثمان (1/167)، المسند (1/396) أحمد شاكر.
([4]) الطبقات لابن سعد (8/128) بسند صحيح.
([5]) تاريخ خليفة، ص (174).
([6]) تاريخ الإسلام للذهبي، الخلفاء الراشدون، ص (460، 461) إسناده قوى.
([7]) تاريخ دمشق، ص(403).
([8]) أنساب الأشراف للبلاذرى (5/67).
([9]) ابن أبي عاصم، الآحاد والثماني (1/125) نقلا عن خلافة على، ص(87).
([10]) مصنف ابن أبي شيبة (15/209) إسناده صحيح.
([11]) خلافة على بن أبي طالب، عبد الحميد على ص(87).
التسميات
علي والخلفاء الراشدون