آراء العلماء في الزواج غير الموثق لدى الجهات الرسمية للدولة.. القوانين المنظمة لعقود الزواج أوجبت توثيق الزواج وبينت من له الصلاحية للقيام بهذا التوثيق وإصدار وثيقة الزواج

يعتقد كثير من المسلمين أن الزواج الشرعي لا يتم إلا أمام الشيخ، أو عالم الدين.  فمثلا في سوريا يسمى العقد زواج الشيخ، وقراءة الفاتحة في المشرق، والفاتحة في المغرب العربي، ويطلق عليه المسلمون في الغرب وخاصة فرنسا "الحلال".

ولكن الزواج في الحقيقة إذا استكملت فيه الأركان والشروط المطلوبة شرعا من إيجاب وقبول وولى وشهود، وتحقق فيه الإعلان والإظهار، وانتفت فيه الموانع الشرعية، فهو زواج صحيح تترتب عليه جميع آثاره.

والسؤال المطروح ما حكم الزواج الذي لم يوثق لدى المأذون الشرعي، أو المحكمة، أو الموظف الرسمي المختص لدى الدولة؟

يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق  للأزهر: (يطلق الزواج العرفي على الزواج الذي لم يوثق بوثيقة رسمية، فتوثيق الزواج لدى المأذون، أو الموظف المختص، ليس ركن من أركانه ولا شرط من شروطه، ولا دخل له في صحة الزواج أو عدمه. (إنما هو نظام أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية)([1]).

ووجهة نظر العلماء أن الناس تعارفوا على ذلك مند زمن دون توثيق للعقد، لأن المجتمع هو الذي كان يوثقه.  أما اليوم فقد تغيرت أحوال الناس، واتسعت المدن، وتزايد عدد السكان، وانقطعت الصلات الاجتماعية، وأصبح الناس يعيشون في المدينة الواحدة لا يعرف بعضهم بعضا، وفسدت الذمم وكثر الكذب وشهادة الزور، وانتشرت الإباحية، وظهرت العلاقات غير الشرعية، وما يحدث للناس من عوارض.

 كل هذه العوامل وغيرها تجعل التوثيق في هذا العصر لازم وضروري، حفظا للحقوق، وتحقيقا لمصلحة الأسرة والمجتمع.  أما عدم التوثيق فينتج عنه ضرر على المرأة والأولاد، وتترتب عليه كثير من المفاسد الاجتماعية والدينية.

وعلى هذا يكون توثيق الزواج واجب شرعي. لأن الله تعالى أمر بطاعة أولى الأمر في المعروف قال تعالى" ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم".([2]).

و أمر رسول الله  صلى الله عليه وسلم المسلم بالسمع والطاعة فيما أحب أو كره، ما لم يؤمر بمعصية فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة "([3]).

 وواجب قانوني، لأن المشرع لا يعترف بالزواج إلا إذا كان ثابت بوثيقة رسمية، ورتب عقوبة على مخالفة القانون.

وعلى هذا يكون الزواج غير الموثق زواج شرعي غير رسمي، أما الزواج الرسمي فهو الذي تم توثيقه في وثيقة رسمية.

وهناك من العلماء من أفتى بأن الزواج غير الموثق حرام، ولو استوفى الأركان والشروط الشرعية، ومنهم من قال أن الزواج غير الموثق صحيح لكن فاعله آثم، كالذي يصلى في الثوب المغصوب، أو الأرض المغصوبة، وكالذي يحج بالمال الحرام فحجه صحيح لكنه آثم.

وقد كان في الماضي الزواج غير الموثق "الشرعي" هو الصورة الوحيدة لزواج المسلمين، ثم ظهر التوثيق فأصبح الزواج الرسمي الموثق هو الأصل، أي هو الصورة الشرعية والقانونية الصحيحة لعقد الزواج، ويمكن أن نستدل على ذلك بما يلي:

1)- أن القوانين المنظمة لعقود الزواج أوجبت توثيق الزواج وبينت من له الصلاحية للقيام بهذا التوثيق وإصدار وثيقة الزواج "الموظف الرسمي المختص بمقتضى وظيفته بإصدارها".

2)- أن الزواج لا يثبت إلا بوثيقة رسمية "وذلك لكثرة ما يقع من الجحود، وما يترتب عليه من ضياع حقوق الزوجة والأولاد، فحفاظا على هذه الحقوق يقتضى منع عقد الزواج الخارج عن القانون"([4])

3)- طاعة ولى الأمر واجبة في المعروف.

4)- يترتب على عدم التوثيق ضرر على  الزوجة والأولاد

5)- القانون لا يرتب أي حق من الحقوق على الزواج غير الموثق، باستثناء ثبوت النسب (لا نفقة ولا ميراث ولا متعة).

6)- الزواج غير الموثق يقبل الطعن والتزوير والإنكار كالورقة العرفية.  بخلاف الزواج الرسمي فهو كالورقة الرسمية لا تقبل الطعن بالإنكار ويثبت بها الزواج قطعا.  يقول الأستاذ عبد الفتاح عمرو"العقد العرفي يعتبر كالورقة العرفية التي تقبل الطعن والتزوير والإنكار، أما العقد الرسمي فهو كالوثائق الرسمية لا تقبل الطعن بالإنكار"([5]).

 يقول الشيخ أحمد حسون مفتى الجمهورية السورية  أن الزواج الذي لم يوثق رسميا حرام: "كونه لا يحفظ حقوق الزوجين، وليس لديه السلطة التنفيذية عند النزاع بين الطرفين.

والقاعدة الشرعية تقول" يحق لولى الأمر أن يقيد المباح وجوبا أو تحريما، فللحاكم أن ينقل المباح إلى ساحة الوجوب تبعا للظروف المحيطة والبيئة الاجتماعية كما هو الحال في مسألة الزواج خارج المحكمة وفى قضية العقد المشروع في الزواج جاء التقييد بتوثيقه في المحكمة سدا لذريعة الفساد وقطعا للاستهتار في أداء الحقوق"([6]).

أما الشيخ محمد سعيد رمضان البوطى فقال أنه عقد صحيح، مع إثم شرعي مع العقاب القانوني.
أما الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق: "يرى أن الزواج العرفي حرام حتى ولو كان مستوفيا الأركان، فعدم التوثيق يعرض حقوق المرأة للضياع. ووافقه في ذلك الشيخ عطية صقر، والدكتور عبد المعطى بيومي ([7]).

ويقول الدكتور أسامة عمر سليمان الأشقر "القائلون بأن الزواج العرفي إذا كان بإيجاب وقبول وشهود عقد شرعي إذا لم توجد فيه وثيقة، قول يحتاج إلى تفصيل وبيان، ومن يقول بحرمته فهو يحتاج إلى بيان وتفصيل، وإن وجود فتاوى تدعو إلى منع الزواج العرفي من منطلق السياسة الشرعية، كل ذلك لابد أن يسبق بمجموعة من الإحصاءات والدراسات للمفاسد الناتجة عن الزواج العرفي، ومن ثم الموازنة بينهما".([8]).

 وبناء على ما تقدم  يحب عدم التسرع في إطلاق الأحكام والفتاوى قبل تصور المسألة تصورا صحيحا ومعرفة الواقع، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والنظر إلى النتائج و المآلات، ودراسة النوازل حالة حالة، فقد تتغير الفتوى من شخص لآخر ومن بلد لآخر.

[1] السياسة الشرعية في الأحوال الشخصية عمرو عبد الفتاح ص43.
[2] سورة النساء الآية رقم 59.
[3] رواه البخاري ومسلم وغيرهما –صحيح البخاري رقم7144/ص1765-كتاب الأحكام باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية - ومسلم رقم1839/ص1469 كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء  في غير معصية وتحريمها في المعصية.
 [4] مقاصد الشريعة الإسلامية الدكتور أحميدان ص270.
 [5] السياسة الشرعية في الأحوال الشرعية عمرو عبد الفتاح ص43.
 [6] منتديات الشريعة  إدارة الإفتاء العام السورية -مفتى سوريا الشيخ احمد حسون يحرم الزواج بعقد قران الشيخ بدون تسجيله لدى الدولة.
[7] موقع منتديات الفراشة النسائي الحياة الزوجية –الزواج العرفي- حكم الزواج العرفي الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق.
[8] الزواج العرفي أسامة عمر سليمان الأشقر مبحث مستقل غير مرقم الصفحات ولم استطع الحصول على الكتاب.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال