باعني رضاي وأخذ رضاه.. الخليفة إذا صاحبه العدل كان أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة

عن أبي مطر بن عبد الله الجهنى قال: رأيت عليًا عليه السلام متزرًا بإزار، مرتديًا برداء ومعه الدرة([1]), كأنه أعرابى بدوي، ثم ذكر دخوله إلى السوق ومساومته أحد التجار في ثوب بثلاثة دراهم، وأن التاجر عرفه، قال: فلما عرفه لم يشتر منه شيئًا، فأتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئًا، فأتى غلامًا حدثًا فاشترى منه قميصًا بثلاثة دراهم، ثم جاء أبو الغلام فأخبره، فأخذ أبوه درهمًا ثم جاء به فقال: هذا الدرهم يا أمير المؤمنين، قال: ما شأن هذا الدرهم؟ قال: كان ثمن القميص درهمين، فقال باعني رضاي وأخذ رضاه([2]). فهذا مثل في الزهد من أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه، فلقد كان مظهره في لباسه يوحى بأنه رجل أعرابي لخشونة ملابسه، وحينما اشترى له ثوبًا اختار نوعًا متواضعًا رخيص الثمن مع أنه كان آنذاك أعلى مسؤول في العالم، حيث كان خليفة المسلمين، وهذا يدل على تواضعه وزهده في الدنيا، علمًا أن له حقه من الفيء ومن بيت المال وغيرهما من مصادر الدولة لشخص مفرغ، كخليفة وحاكم، لمراعاة مصالح المسلمين.
ومثل آخر في الورع والاحتياط للدين حينما امتنع من الشراء ممن يعرفونه حتى لا يراعوه في الثمن لمنصبه، فهو لا يريد أن يستثمر منصبه الكبير لمصالحه الخاصة، وهذا فهم دقيق لمجالات الورع والتقوى، فالخلافة عنده وعند أمثاله عمل صالح، والخليفة إذا صاحبه العدل كان أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة، فهو لا يريد أن يدنس هذا العمل الصالح بمصالح دنيوية، فيتحول العمل إلى مجلبة للوزر بدلاً من الأجر، فكان بهذا السلوك العالي قدوة حسنة لمن أتوا بعده([3]).

([1])  الدرة بكسر الدال وتشديدها، العصا.
([2])  الزهد، ص (130).
([3])  التاريخ الإسلامي (12/429) للحميدي.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال