جمع عثمان رضي الله عنه المهاجرين والأنصار وشاورهم في الأمر، وفيهم أعيان الصحابة وفي طليعتهم على بن أبي طالب رضي الله عنه، وعرض عثمان رضي الله عنه هذه المعضلة على صفوة الأمة وقادتها الهادين المهديين، ودارسهم أمرها ودارسوه، وناقشهم فيها وناقشوه، حتى عرف رأيهم وعرفوا رأيه، وظهر الناس في أرجاء الأرض ما انعقد عليه إجماعهم، فلم يعرف قط يومئذ لهم مخالف، ولا عرف عند أحد نكير، وليس شأن القرآن الذي يخفي على آحاد الأمة فضلاً عن علمائها وأئمتها البارزين([1]) أن عثمان – رضي الله عنه- لم يبتدع في جمعه للمصحف، بل سبقه إلى ذلك أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – كما أنه لم يضع ذلك من قبل نفسه إنما فعله عن مشورة للصحابة، رضي الله عنهم، وأعجبهم هذا الفعل وقالوا: نعم ما رأيت، وقالوا أيضًا: قد أحسن – أي في فعله في المصاحف([2]), وقد أدرك مصعب بن سعد صحابة النبي (ص) حين مشق([3]) عثمان المصاحف فرآهم قد أعجبوا بهذا الفعل منه([4]), وكان على رضي الله عنه ينهي من يعيب على عثمان – رضي الله عنه – بذلك ويقول: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيرًا، فوالله ما فعل الذي فعل- أي في المصاحف – إلا عن ملأ منا جميعًا؛ أي الصحابة.. والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل([5]), وجاء في رواية أخرى عن على قوله: لما اختلف الناس في القرآن وبلغ ذلك عثمان جمعنا أصحاب رسول الله واستشارنا في جمع الناس على قراءة، فأجمع رأينا مع رأيه على ذلك، وقال بعد ذلك: لو وليت الذي ولى، لصنعت مثل الذي صنع([6]).
([1]) عثمان بن عفان، صادق عرجون، ص(175).
([2]) فتنة مقتل عثمان (1/78).
([3]) مشق: أحرق (لسان العرب 10/344).
([4]) التاريخ الصغير للبخاري (1/94) إسناده حسن لغيره.
([5]) فتح الباري (9/18) إسناده صحيح.
([6]) سنن أبي داود، ك المصاحف، ص (29، 30) إسناده صحيح، خلافة على بن أبي طالب، عبد الحميد على، ص (80).
التسميات
علي والخلفاء الراشدون