كان أهل الحل والعقد عند استخلاف أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم بقية العشرة المبشرين ورؤساء بطون الأوس والخزرج، وكان هؤلاء من أهل المدينة، لأنهم هم السابقون الراسخون في العلم والإيمان([1])، وكان على رضي الله عنه يرى أن أمر اختيار الخلافة لمن كان باقيا في المدينة من المهاجرين والأنصار وأهل الحل والعقد من أهل بدر، وأصحاب الشورى، إلا أن الحسن بن على، رضي الله عنه، كان يرى ضرورة مراعاة الأمور المستجدة في تركيبة المجتمع الإسلامي، وقد بدا ذلك في هذا الحوار بين الحسن بن على وأبيه على بن أبي طالب رضي الله عنهما، قال الحسن: قد أمرتك فعصيتني فتقتل غدًا بمضيعة لا ناصر لك، فقال على: إنك ما زلت تحن حنين الجارية، وما الذي أمرتنى فعصيتك؟ قال: أمرتك يوم أحيط بعثمان، رضي الله عنه، أن تخرج من المدينة فيُقتل ولست بها، ثم أمرتك يوم قتل ألا تبايع حتى يأتيك وفود أهل الأمصار والعرب وبيعة كل مصر([2])..وكان جواب على رضي الله عنه: وأما قولك لا تبايع حتى تأتي بيعة الأمصار فإن الأمر أمر أهل المدينة وكرهنا أن يضيع هذا الأمر([3]), على أن عليًا رضي الله عنه، كان يرى أن البيعة تجوز في غير أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، ولكنه كان يكره أن يتحول ذلك عنهم إلى غيرهم، أو أن يشركهم فيه غيرهم تقًى وورعًا ان يُحدث بعد رسول الله (ص) وخلفائه شيئًا يبتعد به عن نهجم وسبيلهم، أو أنه كان يرى أن الوقت ما زال مبكرًا على إشراك غير المهاجرين والأنصار في أمور اختيار الحاكم المسلم، ولذلك فإنه كان يكره أن يضيع هذا الأمر من المهاجرين والأنصار([4]), والدليل على ذلك أنه رضي الله عنه عرض عليه أهل الكوفة بيعة الحسن قال: لا أنهاكم ولا آمركم، وهذا فيه تجويز لغير أهل المدينة في اختيار الحاكم.
ونستفيد من الحوار الذي حدث بين الحسن بن على وأبيه رضي الله عنهما أمورًا منها:
أ- احترام الرأي في النقاش من الجانبين.
ب- لطف المعاملة من أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه لولده.
ج- صراحة الولد مع والده وإبداء كل ما يراه صوابًا في موضوع النقاش.
د- حسن الاستماع للطرف الثاني، حيث استمع أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه، من ابنه الحسن جميع ما عنده من الحجج.
هـ تفنيد الحجج واحدة بعد الأخرى تفنيدًا علميًا([5]).
([1]) الخلافة بين التنظير والتطبيق، محمود المرادوى، ص (288).
([2]) البداية والنهاية (7/245).
([3]) البداية والنهاية (7/245).
([4]) الخلافة بين التنظير والتطبيق، ص (293، 294).
([5]) منهج على بن أبي طالب في الدعوة إلى الله، ص (227، 228).
التسميات
علي والخلفاء الراشدون