نظرة في تاريخ بداية تحرير العقود بالكتابة.. المأذون يعين ليتولى إبرام وتوثيق عقود الزواج، وشهادات الطلاق والرجعة، دون حاجة إلى إذن القاضي

بدأ الاتجاه نحو تحرير العقود وتوثيقها بعد انتشار الكتابة، وغالبا ما كان الكتبة من رجال الدين. في العهد الروماني مثلا كان عقد الزواج يكتب في المعبد على يد رجل الدين، أما عند اليهود فالكتابة ركن من أركان الزواج "كتوبة" أما النصارى فالقانون الكنسي يشترط على أتباعه لصحة الزواج الصلاة والإكليل والكتابة تمييزا له عن العقد المدني.

ولما جاء الإسلام أوجد قواعد خاصة لتوثيق العقود وإثباتها بالكتابة وشهادة الشهود، ومنها عقد الزواج.

وقد كان الصحابة يتزوجون بألفاظ مخصوصة بحضور جماعة من المسلمين، ولم يكن المجتمع بحاجة إلى كتابة العقود، بل كان التوثيق اجتماعي عن طريق الشهود، يعرف الناس أن فلانا قد تزوج فلانة وأن فلانة أصبحت مقصورة عليه، لأن طبيعة المجتمع كان يحكمها الإيمان والأخلاق، والصدق والأمانة، ولم يحدث في زمانهم أن رجلا أنكر زواجا أو جحده.

ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية وبدأت أخلاق الناس تتغير( ظهرت أول مرة فكرة كتابة عقد الزواج وتوثيقه في العصر الفاطمي، (358ه/567ه الموافق ل 969م/ 1172م).

وكان يتولى ذلك القاضي، فيبرم العقود ويوثقها وكانت تأخذ كثيرا من وقته، ثم ظهرت بعد ذلك فكرة أن يفوض القاضي غيره في إبرام وتوثيق عقود الزواج. فكان يعهد لأحد العلماء ليتولى ذلك نيابة عنه، وكان يتم هذا العهد بتصريح مكتوب من قاضى الشرع بإبرام وتوثيق عقد بعينه، له أصل في دفتر لدى القاضي  يسجل فيه أنه قد أذن للعالم الفلاني بعقد زواج فلانا من فلانة.

ومن هنا ظهرت فكرة المأذون" أي مأذون القاضي" لكن الأمر أصبح فيه مشقة وحرج في إعطاء الإذن لكل زيجة، فتم طبع دفاتر تحوى خمسة عشر عقدا للزواج يتولى القاضي تسليمها للعالم، لذلك نجد اليوم أن دفاتر المأذونين الموثقين عدد وثائقها خمسة عشر وثيقة، واستمر الحال على ذلك حتى سنة 1284ه- 1868م – حين صدرت اللائحة الشرعية المؤرخة يوم25 ذي الحجة سنة 1314ه-الموافق27 مايو 1898م، فأصبح المأذون يعين ليتولى إبرام وتوثيق عقود الزواج، وشهادات الطلاق والرجعة، دون حاجة إلى إذن القاضي وتغير اسمه  من "مأذون القاضي" إلى "المأذون الشرعي)([1]).

يقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله:  (لم يكن الصحابة يكتبون "صدقات" لأنهم لم يكونوا يتزوجون على مؤخر بل يعجلون المهر وان أخروه فهو معروف فلما صار الناس يزوجون على المؤخر والمدة تطول وينسى صاروا يكتبون المؤخر وصار ذلك حجة في إثبات الصداق وفى أنها زوجة له )([2]).

وبعد هذه النظرة  التاريخية عن بداية توثيق عقود الزواج بالكتابة، فما مدى مشروعية  التوثيق في الشريعة الإسلامية؟

[1] موسوعة المأذونين الشرعيين والموثقين المنتدبين/ المستشار حاتم صبحي الارناؤوطى دار الكتب القانونية بتصرف.
[2] مجموع الفتاوى ابن تيمية تقي الدين احمد ج32ص131.
أحدث أقدم

نموذج الاتصال